محمد علي
في أجواء احتفالية، استحضرت مآثر اللغة العربية، وما شهدته من مراحل انكسار وصعود، احتفل الصالون الثقافي بوزارة الثقافة والفنون والتراث في الدوحة باليوم العالمي للغة العربية، والذي سبق وأقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ العام 1973.
الأمسية أقيمت تحت عنوان "اللغة العربية بين لغات العالم"، وحضرها حشد من المثقفين والمبدعين القطريين والعرب، قاموا بالدعوة خلالها إلى ضرورة حماية اللغة العربية، وخاصةً في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة.
ومن جانبه، حذر د. حمد بن عبد العزيز الكواري، وزير الثقافة والفنون والتراث، من دخول مضامين وسائل التكنولوجيا الحديثة ودراسة الظواهر الجديدة التي جعلت من الشباب العربي يستخدم لغة هجينة "فيسبوكية" لا علاقة لها باللغة العربية إلا من حيث النطق.
وشدد على أهمية تعزيز مكانة اللغة، والانتباه إلى مضامين هذه الوسائل التقنية، لافتاً إلى أن اللغة العربية قادرة على كسب رهان التقدم التكنولوجي، "كما يمكننا تطويع مختلف الوسائل الحديثة لتطوير اللغة واستخدامها في جميع المجالات".
كما شدد على أهمية حماية اللغة العربية وصيانتها وتطويرها في شتى مجالات الحياة، حتى تظل لغة التواصل المعاصر ولا يكون المتكلمون بها غرباء عن عصرهم بل يندمجون في حركته ويساهمون فيه. منوهاً بأهميتها بين لغات العالم وتفردها، كونها تكتسب مكانة قرآنية.
ودعا إلى أهمية احترام اللغة العربية والمحافظة عليها، "بما يكسبنا احترام الآخرين"، فكلما تشبثنا بلغتنا استطعنا المحافظة على هويتنا التي لا تتعارض مع انفتاحنا على القيم المشتركة بحيث يصبح الانسان العربي مواطناً كونياً باستخدامه لغته، لا بهجرها".
ونوه بجهود ومبادرات دولة قطر في مجال التعليم، حيث تكتسب اللغة مكانتها المحورية وتجعلها أداة بناء مستقبل الانسان، واصفاً اللغة العربية بأنها "لغة حياة تنمو وتحيا بفعل إصرار أبنائها على تطويرها في كل عصر، مع قدرتها الذاتية على النمو نظرا لكونها لغة اشتقاقية".
وقال إنه قد يمر على اللغة العربية طور من الجمود لأسبابٍ عديدة، "ولكنها تحمل في داخلها بذرة التحول، فهي لغة منفتحة تقبل الحوار مع الآخر تستفيد منه وتغنيه كذلك، ولذلك فإن كل المؤشرات الدولية تؤكد استمراريتها وبقاءها ضمن اللغات المستقبلية التي ستظل حية إزاء اختفاء لغات أخرى".
التعريب ضرورة قومية
وخلال الاحتفالية، أقيمت أمسية أدارتها الدكتورة حنان الفياض، رئيس قيم اللغة العربية بجامعة قطر، وشارك فيها كل من د. محمد عبد الرحيم كافود، وزير التعليم القطري الأسبق، ود. وليد خالص، عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، والباحث المصري د. عقيل مرعي.
وتناول د. محمد كافود محور اللغة العربية والتعريب، وما إذا كان ضرورة لغوية أم حاجة قومية. لافتا الى أن "قضية التعريب تعتبر هاجساً وهماً من الهموم شغلت الكثير من المفكرين والتربويين العرب لفترة طويلة من الزمن دون انجاز يذكر على أرض الواقع إلا من بعض التجارب المضيئة المحدودة".
ووصف التعريب الشامل بأنه واجب وطني وقومي في ظل التحديات التي تواجه الأمة، في لغتها، وتراثها، وثقافتها، ويعرض هويتها للتفسخ والتشويه"، لافتاً إلى الجهود المبذولة في هذا السياق، غير أنه تناول العديد من الأسباب التي أدت إلى تراجع إنجاز مشروع التعريب.
وحدد هذه الأسباب في غياب القرار السياسي الملزم على المستوى الجماعي، وضعف التنسيق بين المؤسسات التي تتحمل مسؤوليات التعريب ومؤسسات التعليم العالي، والاعلام، والثقافة، ووجود نوع من عدم الثقة لدى بعض القيادات والمثقفين، وبعض أساتذة الجامعات، في قدرات وإمكانية اللغة العربية لاستيعاب العلوم الحديثة.
ومن الأسباب أيضاً التي أوردها تأخر المجامع في إعداد وإخراج المعاجم اللغوية، والعلمية التخصصية المعاصرة، وتأخر وضع المصطلحات وإقرارها، وعدم وضع خطط متكاملة ومنهجية للتعريب، وتحديد أجهزة أو مؤسسة في كل دولة عربية تكون مسؤولة عن التعريب.
واقع اللغة
أما د. وليد خالص، فتعرض لواقع اللغة العربية بين أهلها، إذ قدم رصداً موضوعياً لمكانة اللغة العربية بين أهلها وهم العرب المتحدثون بها ولذلك يعمد إلى جعل أهل العربية أربع فئات هي أولو الأمر وعامة الناس وأعداء العربية والذين اتخذوا العربية تخصصاً، مع نصوص كثيرة أخرى.
وتوصّل إلى مجموعة من الأسباب أدّت بالعرب إلى التعامل مع لغتهم بصورة نمطية منها أسباب حضارية، وثقافية، واجتماعية مرّ بها الوطن العربي في حالته الراهنة، "وتعانقت هذه الأسباب، وتضافرت بحيث أوصلت العربية إلى هذا المستوى المتدّني الذي هو عليه الآن".
وتعرض د. عقيل المرعي للمحور الأخير من الندوة، بتناوله لجهود المستعربين من العلماء في خدمة اللغة، وطبيعة دور الدراسات الاستشراقية والأسماء التي ساهمت في الدراسات العربية في ايطاليا والدراسات العربية التي ازدهرت في أوروبا.
وتناول مجموعة من الكتب المعتمدة في المحاضرات بتدريس اللغة العربية في ايطاليا ومنها: النحو العربي للغة الأدبية، مع ملحق حول عامية طرابلس الغرب وفيه ملحق عروضي تأليف جوليو فارينا 1912، وغيرها من المؤلفات التي تتعرض لقواعد لغة الضاد.
الشارقة 24