|
|
اللغة والتواصل
عند الحديث عن اللغة، تخطر في البال مباشرةً فكرة مفادها أنها أداة للتواصل بين البشر، وهي بالتأكيد كذلك، إذ إن المرء إذا أراد قول شيء ما، فإن لديه فكرة يريد نقلها للآخرين، وهو لا يستطيع زرعها مباشرة في أذهانهم، فيوصلها من خلال اللغة، فالكلمات التي ينطقها تحمل فكرته، لتصل إلى ذهن المتلقي، وهنا يحصل التواصل، ويرى فرديناند دي سوسور (أبو علم الألسنية الحديث) أنه من دون اللغة، تكون مفاهيمنا عبثية وغير متمايزة، فاللغة هي من تعطي مفاهيمنا تمايزاً ومعنى فعلياً. لكن اللغة ليست فقط أداة تواصل، بل هي مادة الفكر أيضاً، وأداة للتفكير، إذ هي أدوات وألفاظ وبنى عقلية، ووسيلة لقيام اجتماعٍ بشري، أساسه الثقافة التي تكون اللغة وعاءها.
هذا الحديث عن اللغة، مناسبٌ لاستعراض أهميتها، في حالتنا العربية، حيث الإهمال يطال اللغة العربية، كما نلاحظ، ولا يبدو أن كثيرين يدركون أهمية الحفاظ على اللغة بوصفه حفاظاً على ثقافتنا وأداتنا للتواصل والتفاهم فيما بيننا كأفراد منتمين إلى الثقافة ذاتها. اللغة العربية تعاني اليوم من مشكلتين أساسيتين: الأولى هي غياب الاهتمام بالمفردات العربية، وتراجع حركة الترجمة من اللغات الأخرى، ما يجعل كثيراً من المفردات التي نستخدمها وليدة لغات أخرى، خاصة مع التقدم العلمي والتكنولوجي الذي لا توازيه حركة ترجمة متقدمة إلى اللغة العربية، يمكنها نحت مصطلحات مناسبة للمنتجات الحديثة، أو تستطيع ترجمة آخر ما يصدر في التخصصات العلمية المختلفة، ليتسنى لجامعاتنا تدريس المناهج العلمية باللغة العربية، أسوةً بكثير من الدول التي تدرس الطب والهندسة لطلابها بلغاتها.
أما المشكلة الثانية، فتتمثل في عدم الاهتمام بتعليم اللغة العربية بشكل جيد، والقفز إلى تعليم الأطفال اللغات الأجنبية، وبالذات الانجليزية، بحجة جعلهم أكثر قابلية للتكيف مع تطورات العصر، والحاجة إلى الانجليزية في العمل والتعامل مع أمور عديدة في الحياة، وخطورة هذا الأمر تكمن في إجادة الانجليزية عند بعض الأطفال أكثر من العربية، في حديثهم وقراءتهم وكتابتهم، ما يجعل هويتهم العربية تتراجع لمصلحة الاندماج في مظاهر ورمزيات هويات الآخرين، وكما نعلم، فاللغة وعاء للثقافة والهوية، وإذا كانت المنتجات الأجنبية، وما تحمله من لغة، تشكل هوية ووعي أطفالنا، فهذا أمر لابد من الوقوف عنده طويلاً.
هناك احتفال سنوي بيوم اللغة العربية، يوافق الثامن عشر من شهر ديسمبر، أي في نهاية كل عام، وهو مناسبة يمكن تحويلها إلى تقييم سنوي شامل لحال اللغة العربية في بلداننا، ومناقشة التحديات التي تواجهها، خاصة والعمل على وضع خطط من قبل الجامعة العربية والمؤسسات التعليمية والتربوية العربية، لتفعيل دور اللغة العربية في حياتنا، والوصول إلى مرحلة يمكن فيها جعل اللغة العربية في القلب من حياتنا العلمية والأكاديمية في الجامعات، ما يتطلب مضاعفة الجهد لإيجاد حركة ترجمة مواكبة لتطورات العصر.
خليج 24
|
|
|
|
|