تصريف الصيغة الثلاثية - 2
م. محمد يحيى كعدان
وصلني عن بعضهم إطراء وتصوّراً عن مقالاتنا: أنها تربط بين الأحرف والأعداد..! نقول: إنّ جدول الحقيقة الأبجدي يربط بين أحرف ورُقَم وليس أعداداً، هذه الرُقُم رموز لتباديل خماسية الخانات من رسمين هما " 1 ، 0 "، وتخصّ (كما تحدّثنا في مقالاتنا الأولى) مفهومي الحضور والغياب لعمليات التشكيل وعلاقات التوصيف (التعميم لمفهومي الكتلة والطاقة الفيزيائيين للعنصر أو الصيغة)، وعناصر الصياغة الثلاثة: المنطلق والصيغة والمستقر (المتكلم والصيغة والمستمع).
بالتالي لا علاقة هنا للأحرف بالأعداد، نحن أمام نهج استدلالي رياضي منطقي، فاللغة الرياضية تعرض للأعداد ولغيرها من الصيغ.
نتابع في هذا المقال تصريف الصيغة الثلاثية من الوزن " فعل ".
لتكن صيغ الفعل الناقص الثلاثية: " وفى، علا، جرى، عدا، جدى، سقى، فنى، برى، دوى، خلا ".
بإضافة الألف بين عين ولام الفعل، مع الأخذ بالاعتبار أنّ الهمزة هي قراءة متحرّكة للألف، نحصل على: " وفاء، جراء، عداء، جداء، سقاء، فناء، براء، دواء، خلاء ".
بإضافة الميم ( م 10011 ) كبادئة إلى الصيغ السابقة، نحصل على: " موفاء، مجراء، معداء، مجداء، مسقاء، مفناء، مبراء، مدواء، مخلاء ". ذكرنا في المقال السابق أنها مصادر عامة أو أدوات.
في الواقع إنّ الصيغة " مفتاح " هي مصدر لصيغة الفتح، لأنّ الميم ( م 10011 ) تتحدّث عن الصيغة الغائبة التي هي وراء الصيغة " فتاح " (الرمز 0 الثاني من اليسار)، وهذه الصيغة معروفة تماماً شكلاً وصفة للمتكلم فقط.
والصيغة " مفعال " هي اسم مصدر لمن أدمن الفعال، وقد تكون مصدراً بمفهوم الأداة " منشار " أو المكان " منبع، منباع " أو الممارسة " مذياع "، ..إلخ.
نلاحظ أنّ العديد من التصاريف أعلاه غير مستخدم، هذا لا يعني عدم صحتها كصياغة، فالدلالة الفيزيائية أو المصطلحية هي المعيار الوحيد للاستخدام.
سنعرض هنا لمسألة حديثة، هي مفهوم عبارة: مدراء.
لدينا: دار، دائر، دئار – دور، داور، دوار _ دير، داير، ديار.
بأخذ المصدر الميمي من " دِيْر " نحصل على " مُدِيْر "، وجمعها: مديرون.
لكن لدينا: درى، دارء، دراء. وبأخذ المصدر الميمي من " دراء " نحصل على " مدراء " وهي اسم مصدر عام، ولكونها قابلة للجمع فهي تُعبّر عن مجموع.
بالتالي: مدراء جمعٌ جذره درى من الدراية، مديرون جمعٌ جذره دَيَرَ من الإدارة.
عادة يكون كل المديرين (كاصطلاح معاصر) على دراية، وليس العكس. منه لا نرى مانعاً من استخدام تعبير " مدراء "، الذي يُقصد به دلالةً أهل الدراية، ويجوز استخدامه بلاغةً كاستعارة لأهل الإدارة، لكنه ليس دقيقاً، كون أهل الإدارة بعض أهل الدراية.
بإضافة ( ا 11111 ) كبادئة إلى الصيغة الثلاثية، نحصل كما قلنا سابقاً (راجع مقالنا: حرف الألف) على تآلف بين الصيغة والمتكلم والمستمع. أي أنهما يحضران مع العنصر ويتعرّفان على شكله وصفته.
فعندما تُصدر جهة ما بلاغاً، ليس ضروريّاً التبلّغ به، ولكن عندما يكون إبلاغاً، يتم التأكد من وصول البلاغ إلى المُبَلّغ، نتيجة إحداث التآلف بين البلاغ والمُبَلِّغ والمتبلّغ.
كذلك عندما يكون شارة، ليس ضروريّاً الانتباه لها، ولكن عندما تكون إشارة، يتم التأكد من وصول الشارة إلى المقصود، نتيجة إحداث التآلف بين الشارة والمُشير والمشار له.
بإضافة الألف إلى الصيغة " فعل " نحصل على " أفْعَلَ ، أفْعَلُ "، وحيث أنّ الحركات تدلّ على موقع الصيغة في البنية الفوقية ولا تؤثر على الدلالة في البنية السفلية، فالحركات في الصيغة الأولى تُشير إلى أنّ موقع الصيغة هو الفعل الماضي بينما في الثانية تُشير إلى أنّ موقع الصيغة هو الفعل المضارع.
أمّا في البنية التحتية فإضافة الألف تُفيد إحداث التآلف بين صيغة الفعل والفاعل والمفعول، وهذا ما يوجب تعدّي الفعل الماضي، مثل: زيدٌ أجْلَسَ عمرواً. أمّا في الفعل المضارع فيحدث التآلف بين صيغة الفعل والفاعل والمتكلم، مثل: أجْلُسُ، أعْمَلُ، ..إلخ.
بإضافة ( ا 11111 ) كلاحقة إلى الصيغة الثلاثية " فعل "، نحصل على " فعلا ".
ندرسها كما يلي: فعل(ا)، وتعني أنّ الفعل (فعل)، هو لعنصر متآلف (مألوف) للمتكلم والمستمع ( ا 11111 )، وبما أنّ التآلف هو المعرفة بالشكل والصفة، فنحن أمام توصيف لعامّ، أي بعض من كل، وحتى يكون مألوفاً لا ينبغي له تجاوز الاثنين إن كان قابلاً للجمع. ومنه نحن أمام فعل لثنائي. مثل: لعبا، صنعا، ..إلخ.
ليس ضرورياً كون الصيغة " فعل " فعلاً، فمن الممكن أنْ تكون اسماً، وعندها تقبل التنوين (نْ) كلاحقة.
من الممكن أن يكون التآلف مع عنصر غير قابل للجمع للصيغة " فعل " حال كونها اسماً، وعندها تُعبّر عن اسم لأنثى، كون المذكّر لا يحتاج لإضافات كونه الأصل في الصياغة. مثل: ذكرى، ليلى، سلمى، ..إلخ.
بإضافة: (ان)، ( ا 11111 ) ، ( ن 10010 ) كلاحقة إلى الصيغة الثلاثية " فعل "، نحصل على " فِعلان ".
ندرسها كما يلي: فعل(ان)، وتعني أنّنا أمام عنصر غائب لشكل عام معروف للمتكلم هو اسم ( ن 10010 )، ثم يتم التآلف ( ا 11111 )، وحتى يكون مألوفاً لا ينبغي له تجاوز الاثنين. ومنه نحن أمام اسم فعل لثنائي. مثل: ثقلان، حملان، ..إلخ. وعندما لا يكون العنصر قابلاً للجمع فهو في الحالة العامة. مثل: شبعان، غضبان، ..إلخ.
الصيغة " فعل " (فاء، عين، لام): ( ف 01111 ) ، ( ع 10000 ) ، ( ل 10100 ) تعني:
(فيء) حضور عنصر معروف الشكل والصفة للمستمع باستقلال عن المتكلم (ليس كلاماً) لغيابه ( ف 01111 )، لعنصر غائب غير معروف الشكل والصفة للمتكلم باستقلال عن المستمع (لم يتحدّث المتكلم رغم وجوده) لغيابه ( ع 10000 )، لعنصر غائب غير معروف الشكل والصفة للمتكلم والمستمع معاً ( ل 10100 ).
في الصيغة " عل ": بداية نحن أمام عنصر غائب غير معروف الشكل والصفة للمتكلم والمستمع ( ل 10100 )، فهو عنصر مستقل تماماً عنهما، وهو أي عنصر غيرهما.
عند الصياغة بالأداة ( ع 10000 )، يغيب المستمع أيضاً، ونصبح أمام عنصر غائب غير معروف الشكل والصفة للمتكلم فقط، فهو أي عنصر عدا المتكلم، ولكن من الصيغة السابقة (انظر مقالنا حرف العين).
أي أننا أمام كل ما تراه " عين " المتكلم (ع)، من العناصر المستقلة عن المتكلم والمستمع (ل).
هذا يدل على العلَّة أو السبب، لغياب هذا العنصر وعدم المعرفة بشكله وصفته.
في قراءة أخرى للقوالب الرقمية للصيغة " عل ": نحن أمام عين المتكلم المتسبب في الصياغة ومنطلقها والفاعل فيها (ع)، من صيغة تضم طرفي الصياغة المتكلم والمستمع فقط (ل).
بتركيب الصيغة ( ف 01111 )، مع الصيغة " عل "، نحصل على الصيغة: " فعل ". وتعني: معرفة المستمع فقط بشكل وصفة عنصر حاضر قد فاءَ (ف) هو عِلَّة أو سبب، كون هذه المعرفة خاصة بالمستمع فقط (ليست كلام متكلم لغيابه)، هذا يدل على أنّ العنصر يحضر بعيداً عن المتكلم وقريباً من المستمع. فالعنصر يفيء إلى المستمع.
نعبّر هنا عن أية صيغة لعنصر ما، هو عِلَّة (سبب) من فاعل، ويفيء هذا العنصر إلى المستمع، أي يكون حاضراً معه، ومعروفاً تماماً شكلاً وصفة له.
منه نحن أمام أيّة صيغة لفعل، باعتبار أنّ المستمع وهو الطرف الآخر من الصيغة هو ساحة تطبيق صيغة الفعل، فالفعل يُطبّق عليه (يفيء إليه)، بالتالي يعرف شكله وصفته تماماً، وهو أي الفعل (ليس كلاماً) ينتج عن الفاعل (المتكلم).
بإضافة حرف الألف ( ا 11111 ) بين فاء وعين الصيغة الوزن " فعل " نحصل على " فاعل ". وتعني:
فيء عنصر متآلف (فا) لعلّة (عل)، بما أنّ العنصر الذي فاء ( ف 01111 ) هو لعنصر متآلف (حسب الألف)، لعلّة. فنحن أمام مولّد الفعل وهو اسم الفاعل أو المُعِلّ أو المُسبب.
الآن بإضافة حرف الألف ( ا 11111 ) بين عين ولام الصيغة الوزن " فعل " نحصل على " فعال ". وتعني:
وفق الدراسة ف(ع(ال)): فيء عنصر (ف) هو عين (ع) التعريف (الـ)، والعنصر الذي فاء ( ف 01111 ) هو عنصر عام مخصص (لتوفر الشكل والصفة)، أي هو بعض من كل، فإذا كان العنصر قابلاً للجمع يكون جمعاً، مثل: كبار، فعال، ..إلخ، وإذا لم يكن العنصر قابلاً للجمع يكون عامّاً، مثل: قتال، شراب، ..إلخ.
تُسَمّى الصيغة الناتجة " فعال " بالمصدر. والأمثلة التالية توضّح ما سبق (نذكّر أنّ الهمزة هي ألف متحرّكة):
زاد، زائد، زئاد - زود، زاود، زواد - زيد، زايد، زياد.
دار، دائر، دئار – دور، داور، دوار _ دير، داير، ديار.
الصيغة " فعل " ليس ضرورياً أنْ تدلّ على الحدث، ويمكن أنْ تكون اسماً فتقبل التنوين (النون الساكنة).
ويمكن وضع النون الساكنة ( ن 10010 ) كبادئة للصيغة فنحصل على الصيغة " نْفَعَل ". وتعني:
ندرس " نفعل " وفق ن(فعل): معرفة المتكلم (باستقلال عن المستمع) بشكل عنصر غائب ( ن 10010 )، للصيغة " فعل "، أي نحن أمام فعل يعود فعله لعنصر عام غائب (مجهول)، مثل: نْكَتَبَ. (انظر مقال الأوزان 15).
نلاحظ أنّ نْ عندما تكون لاحقة، يعني ابتداء الصياغة بها (الصياغة تبتدئ من اليسار إلى اليمين)، بالتالي نحن ننطلق من اسم صريح، ولكن عندما تكون بادئة، فهذا يعني انتهاء الصياغة بها، وعندها يتم إلحاق الصيغة بالأسماء.
بإضافة حرف التاء ( ت 01010 ) بين فاء وعين الصيغة الوزن " فعل " نحصل على " فْتَعَل ". وتعني:
ندرس " فتعل " وفق ف(ت(عل)): فيءٌ ( ف 01111 )، لعنصرٍ حضر متشكّلاً (عاماً) باستقلال عن المتكلم والمستمع ( ت 01010 )، لعِلّة (عل).
أي يتم تطبيق الصيغة على الفاعل، ونحن أمام فعل الفاعل. لأنّ العِلّة تَحْضُر كشكلٍ عام وفق التاء مستقلّة عن الكلام، وتفيء.
مثل: جْتَمَعَ، جْتَهَدَ، شْتَرَكَ، شْتَبَكَ، صْتَنَعَ (وليس صْطَنَعَ)، صْتَحَرَ، نْتَشَرَ، سْتَبَقَ، ...إلخ.
بإضافة التاء كبادئة إلى صيغة اسم الفاعل، نحصل على " تَفَاعَل ". وتعني: تطبيق الصيغة على الفاعل وغيره.
مثل: تنازل، تشارك، تبارك، ..إلخ.
واضح أنّ تشديد عين الوزن " فعل "، وهو مضاعفة الحرف في موقع العين، يعني التوكيد والمبالغة في الصيغة.
وبإضافة التاء كبادئة إلى صيغ التوكيد والمبالغة، نحصل على " تَفَعَّل ". وتعني: التوكيد والمبالغة في تطبيق الصيغة على الفاعل وغيره. مثل: تنزّل، تشرّك، تبرّك، ..إلخ.
ويمكن إضافة السين والتاء كبادئتين إلى الصيغة لنحصل على " سْتَفْعَل ". وتعني:
ندرس " ستفعل " وفق س(ت(فعل)): معرفة المتكلم فقط لصفة (غير متشكّل) عنصر غائب ( س 10001 )، لعنصرٍ حضر متشكّلاً (عاماً) باستقلال عن المتكلم والمستمع ( ت 01010 )، للصيغة (فعل).
هذا يدلّ على استحضار الفاعل للصيغة " فعل " بعد غيابها من الفاعلين حسب التاء، ومعرفته لصفتها حسب السين.
بإضافة حرف الواو ( و 11010 ) بين فاء وعين الصيغة الوزن " فعل " نحصل على " فَوْعَل ". وتعني:
ندرس " فوعل " وفق ف(و(عل)): فيءٌ ( ف 01111 )، لعنصرٍ حضر متشكّلاً (عاماً) باستقلال عن المستمع فقط ( و 11010 )، لعِلّة (عل).
مثل: فَوْتَر، جَوْرَب، قَوْلَب، ...إلخ.
أي يتم ربط الصيغة بالفاعل. لأنّ العِلّة تَحْضُر كشكلٍ عام وفق الواو مستقلّة عن المستمع، وتفيء.
ينطبق التحليل السابق على عدد من تباديل الحركات المستخدمة في البنية الفوقية للصيغة. مثل: فُوْعِل.
الآن بإضافة حرف الواو ( و 11010 ) بين عين ولام الصيغة الوزن " فعل " نحصل على " فعول ". وتعني:
وفق الدراسة ف(ع(ول)): فيء عنصر (ف) هو عين (ع) الولاء للمتكلم والتوجه باتجاهه (ول) (انظر مقال: الأوزان 12). مثل: شغوف، عطوف، جهول، ..إلخ. وهي من صيغ المبالغة.
بإضافة الميم ( م 10011 ) كبادئة إلى الصيغة، نحصل على " مَفْعَل ". وتعني:
ندرس " مفعل " وفق م(فعل): معرفة المتكلم (باستقلال عن المستمع) بشكل وصفة عنصر غائب ( م 10011 )، للصيغة " فعل "، أي نحن أمام فعل يعود فعله لعنصر معروف (شكلاً وصفة) غائب (عادة هو أداة أو مصدر للصيغة)، مثل: مصنع، مقود، معمل، مبرد، منشأ ...إلخ.
نلاحظ من دراسة " نفعل " وفق ن(فعل) أعلاه، أنها تعني: معرفة المتكلم (باستقلال عن المستمع) بشكل عنصر غائب ( ن 10010 )، للصيغة " فعل "، أي نحن أمام فعل يعود فعله لعنصر عام غائب (مجهول)، مثل: نْكَتَبَ.
والميم ( م 10011 ) تختلف عن النون ( ن 10010 ) فقط بمعرفة الصفة في الميم وبالتالي تمام المعرفة (شكلاً وصفة)، بينما في النون لا نعرف الصفة ونكون أمام شكل عام.
بإضافة الميم كبادئة إلى الصيغة " فعول " نحصل على " مَفْعُوْل ". وتعني: تطبيق الصيغة على مستقرّها، فنحن أمام اسم المفعول. مثل: مشغوف، معطوف، مجهول، ..إلخ.
ملاحظة: نؤكد هنا وكما ذكرنا أكثر من مرّة، أنّ الحركات في الصيغة تدلّ على موقعها في البنية الفوقية، وهي لا تؤثر على المعنى التجريدي لها في البنية التحتية.
هذا وهناك العديد من الإضافات التصريفية في البنية التحتية، تتم دراستها كما تم أعلاه.
|