للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

صراع اللغات - 6

د. محمد سعيد حسب النبي

 

أشرنا في مقالات سابقة لأسباب الصراع بين اللغات، وتجدر الإشارة هنا إلى وجود عوامل أخرى كثيرة تتيح الفرص للاحتكاك بين اللغات، وقد تكون أقل شأناً وأضعف أثراً من أن تكون صراعاً وفقاً لما أشار إليه علي وافي في كتابه اللغة والمجتمع؛ إذ ليس ما ينجم عنها صراع جدي ولا يؤدي إلى نتائج ذات بال. ومن هذه العوامل التي أشار إليها وافي: اشتباك شعبين مختلفي اللغة أو شعوب مختلفة اللغات في حرب طويلة الأمد. وذلك أن طول الاحتكاك بين الشعوب المتحاربة ينقل إلى لغة كل شعب منها آثاراً من لغات الشعوب الأخرى، سواء في ذلك لغات الحلفاء ولغات الأعداء. 

وضرب وافي مثالاً على ذلك في احتكاك الألمانية والفرنسية والإنجليزية في الحرب العالمية الأولى قد نقل إلى كل لغة منها مفردات من اللغتين الأخريين. وحرب الثلاثين التي نشبت بين حماة البروتستانتية وحماة الكاثوليكية، وامتدت من سنة 1618 إلى سنة 1648، أتاحت فرصاً كثيرة للاحتكاك بين الفرنسية والألمانية، فنقلت إلى كل منهما بعض مفردات من الأخرى. وحروب فرنسا مع إيطاليا قد نقلت إلى الفرنسية كثيراً من الكلمات المتعلقة بشؤون الحرب والفنون الجميلة وما إلى ذلك من الأمور التي كانت اللغة الإيطالية أوسع ثروة فيها من اللغة الفرنسية؛ ونقلت كذلك إلى الإيطالية عدداً غير يسير من الكلمات الفرنسية. والحروب الصليبية قد نقلت إلى كثير من اللغات الأوروبية، وبخاصة إلى اللغة الفرنسية، كثيراً من مفردات اللغة العربية، ونقلت كذلك إلى بعض لهجات الأمم العربية بعض كلمات أوروبية.
ومن بين أمثلة الاحتكاك؛ توثق العلاقات التجارية بين شعبين مختلفي اللغة: وذلك أن منتجات كل شعب تحمل معها أسماءها الأصيلة، فلا تلبث أن تنتشر بين أفراد الشعب الآخر وتمتزج بمتن لغته، وكثرة الاحتكاك التجاري بين أفراد الشعبين ينقل إلى لغة كل منهما آثاراً من اللغة الأخرى.
وتوثق العلاقات الثقافية بين شعبين مختلفي اللغة مثال آخر على الاحتكاك الذي لا يصل إلى درجة الصراع؛ حيث ينقل هذا الاحتكاك إلى لغة كل منهما –وبخاصة إلى لغة الكتابة- آثاراً كثيرة من الأخرى، وهذه الآثار لا تقف عند حد المفردات، بل تتجاوزها غالباً إلى الأساليب. والأمثلة على ذلك كثيرة في تاريخ الأمم الحاضرة والغابرة. فاللغة العربية في العصر العباسي، وبخاصة لغة الكتابة قد انتقل إليها عن هذا الطريق كثير من آثار اللغتين الفارسية واليونانية. ولغة الكتابة بمصر في العصر الحاضر، سواء في ذلك لغة العلوم ولغة الآداب ولغة الصحافة، قد انتقل إليها عن هذا الطريق كثير من آثار اللغات الأوروبية وبخاصة الإنجليزية والفرنسية.
غير أن علاقة هذه العوامل وما إليها بتطور اللغة وارتقائها أشد كثيراً من علاقتها بالصراع بين اللغات، فهي تتيح الفرص لاقتباس اللغات بعضها من بعض وتبادلها المفردات والأساليب؛ بدون أن تحدث بينها صراعاً جديداً أو تحمل إحداها على محاولة التغلب على الأخرى.
وخلاصة القول في الصراع بين اللغات أن الطريق التي يسير فيها الصراع اللغوي، والخطط التي ينهجها، والمدة التي يستغرقها، والنتائج التي ينتهي إليها، ومبلغ تأثر كلتا اللغتين المتصارعتين بالأخرى، والنواحي التي يبدو فيها هذا التأثر، وما ينال عناصر كلتيهما من تغير وانحراف، والمراحل التي تقطعها اللغة الغالبة في سبيل انتصارها والمغلوبة في سبيل انقراضها، وموقف كل منها حيال الأخرى في حالة تكافؤ القوى..كل أولئك وما إليه لا يجري تبعاً للأهواء والمصادفات، ولا وفقاً لإرادة الأفراد، وإنما يخضع في سيره لقوانين جبرية ثابتة، مطردة النتائج، واضحة المعالم، محققة الآثار، لا يد على وقفها أو تغيير ما تؤدي إليه.
فليس من قدرة الأفراد أن يغيروا شيئاً في النتائج التي رسمتها قوانين هذا الصراع، فمهما أجهد الشعب نفسه في نشر لغته في شعب آخر، ومهما رغب في القضاء على لغة هذا الشعب أو إضعافها، ومهما اتخذ في سبيل ذلك من وسائل، ومهما كان مؤيداً بسعة النفوذ وقوة السلطان.. فإنه لن يحدث أكثر ولا أقل مما تقضي به قوانين الصراع اللغوي.
ويضرب وافي مثالاً على ذلك في حالة اللغة العربية مع لغات الشعوب التي خضعت لسلطان العرب؛ فعلى الرغم من الجهود الجبارة التي بذلت للتأثير في لغات الشعوب وإحلال العربية محلها، وعلى الرغم مما كان للعرب حينئذ من قوة الشوكة ورقي اللغة، واتساع الحضارة، على الرغم من أن هذه الشعوب قد دانت لسلطانهم واعتنقت ديانتهم، وعلى الرغم من الصلة الوثيقة بين الدين الإسلامي ولغة القرآن.. على الرغم من هذا كله فإن اللغة العربية لم يكتب لها النصر إلا في المواطن التي تقضي قوانين الصراع اللغوي بانتصارها فيها، ولم تستطع سبيلاً إلى القضاء على لغات المواطن الأخرى.
كما يمكن أن نرد معظم عوامل الصراع إن لم يكن جميعها إلى ظواهر اجتماعية؛ فتكاتف السكان أو تخلخلهم، وانتماء اللغتين إلى فصيلة واحدة أو إلى فصيلتين مختلفتين.. كل ذلك يمكن أن يعد هو نفسه نتيجة لأمور تتصل بالحياة الاجتماعية وشؤون العمران، ومبلغ الصلات بين الشعوب. والآثار التي تنجم عن عوامل في الصراع اللغوي لا تتصل بظواهر الاجتماع إلا عن طريق غير مباشر، فهي تنجم مباشرة عن أمور غير اجتماعية في ذاتها، ورغم ذلك من الممكن رد هذه الأمور إلى ظواهر الاجتماع. 
 

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية