المكنز الكبير
د. محمد سالم غنيم
يعد هذا المعجم فريداً في نوعه , جديداً في شكله و إخراجه ؛ حيث يجمع لأول مرة في تاريخ المعاجم العربية عدة أشكال من المعاجم في معجم واحد شامل . لقد ضم هذا المعجم بين دفتيه معجماً للموضوعات أو المعاني أو المجالات ، و معجماً ثانياً للمترادفات و المتضادات ، معجماً ثالثاً لمعاني الكلمات ، و معجماً رابعاً للألفاظ و الكلمات .
و يقول الأستاذ الدكتور احمد مختار عمر – رحمه الله – الذي ترأس فريق العمل فيه انه : " لا تنحصر قيمة هذا المعجم في فكرته المبتكرة ، و لكن تمتد لتشمل منجهيته و إجراءات العمل فيه ، و إتباعه احدث المواصفات العالمية في صناعة المعاجم و إخراجها . وما نضعه بين يدي الباحث الآن ليس عملاً معجمياً عادياً , و إنما هو نقطة تحول في صناعة المعجم العربي . إنه ليس تكراراً أو تقليداً لعمل معجمي سابق , أو جمعاً لمعجم من عدة معاجم شأن العديد في المعاجم السابقة إنما هو " موالفة " جديدة للقارئ العربي لأول مرة , نأمل أن يتذوقها و يستطيبها , ويجد منالته في سطورها "
مصادر إعداد المعجم و منهجية إعداده
لقد استغرق التخطيط لهذا المعجم و العمل فيه جمعاً و تصنيفاً وتبويباً وتحريراً ومراجعة وبرمجة وإدخالاً زحفاً ليس بالقصير. وقد وضع فريق العمل تحت يده قبل البدء في العمل , وأثناء العمل كل ما احتوته المكتبة العربية من معجمات عامة و خاصة , ومن أمثلة ذلك :
1- المعاجم العامة؛ مثل : الصحاح للجوهري, ولسان العرب لابن منظور, والقاموس المحيط للفيروز آبادى, وتاج العروس للزبيدى, وأساس البلاغة للزمخشرى, والمقاييس لابن فارس .
2- المعاجم المتخصصة أو الخاصة ؛ ومن أبرزها معاجم الموضوعات والمجالات؛ وأهمها: المخصص لابن سيدة , وفق اللغة للثعالبى , والألفاظ الكتابية للهمذانى, وجواهر الألفاظ لقدامة بن جعفر, وتهذيب الألفاظ لابن السكيت , ومعجم أسماء الأشياء للبيابيدى , والإتضاح في فقه اللغة لعبد الفتاح الصعيدي و حسن يوسف موسى.....وغيرها.
3- معاجم المترادفات قديمها وحديثها ؛ فالقديمة مثل: الألفاظ المترادفة للرماني , والفروق اللغوية لأبى هلال العسكري, وكتاب الفرق لقطرب, والكليات لأبى البقاء الكفوى.
والحديثة مثل: معجم المعاني للمترادف والمتوارد والنقيض لنجيب اسكندر , وقاموس المترادفات و المتجانسات للأب روفائيل نخلة اليسوعى , ونجعة الرائد في المترادف و المتوارد لإبراهيم اليازجى, ومعجم الجيب للمترادفات لمسعد أبو الرجال , والمكنز العربي المعاصر لمحمود إسماعيل حسنى وآخرين , ومعجم المترادفات العربية الأصغر لوجدي رزق غالى .
وبعد استعراض هذه المعاجم السابقة وجد فريق العمل أنها لا تفي بالحاجة , ولا تلبى احتياجات الباحث المعاصر, ذلك لأنها تخلط بين القديم والحديث , أو تكفى بحشد الكلمات جنباً إلى جنب دون ترتيب معين , ودون تدقيق في معانيها , ودون إعطاء معلومات عنها تتعلق بدرجتها في الاستعمال . ومن أجل هذا وضع فريق العمل لهذا المكنز منهجاً جديداً يتجنب عيوب الأعمال المشابهة .
وقد ظهر التفرد في منهج إعداد هذا المعجم منذ نقطة البداية, وهى مرحلة جمع المادة , فلم يعتمد الفريق على معاجم السابقين اعتماداً كلياً, وإنما ضم إلى ذلك مادة غزيرة تم استيفائها من تفريغ العشرات من كتب اللغة و الأدب و دواوين الشعر, وعنية من الصحف اليومية. وربما يكفى أن نشير إلى الأسماء الآتية على سبيل المثال لا الحصر: البيان و التبيين للجاحظ, وديوان المتنبي , وديوان الجازم, وديوان شوقي, والحب في التراث لمحمد حسن عبد الله , مجمع الأمثال للميداني , ومن كنوز القرآن لمحمد السيد الداودى , وأعمال يحيى حقي , وأعمال أحمد عبد المعطى حجازي , وأعمال إبراهيم عبد القادر المازنى , وأعمال صلاح عبد الصبور, واللغة و اللون لأحمد مختار عمر....هذا فضلاً عن عينة من بعض الصحف....وغيرها الكثير من المادة المرجعية لكل مدخل.
على الرغم من أن هدف هذا المعجم الفريد هو أن يكون معجماً للمترادفات و المتضادات العربية و أن ذلك قد يعفى من إعطاء أية معلومات إضافية اعتماداً على أن كلمات كل مجال يشرح بعضها بعضاً , فإن فريق العمل لم يقنع بذلك , وتم إضافة الكثير من المعلومات لكل مدخل يمكن تلخيصها فيما يلى :
1- بيان نوع الكلمة ( فعل- اسم- صفة- حرف ) مع فصل كل نوع في مجموعة مستقلة .
2- تحديد المجال الدلالي العام الذي تنتمي إليه مجموعات الكلمات المترادفة أو المتضادة . مع استخلاص المتضادات للمجالات , وهو صنيع تخفف منه كثير من كتب الترادف .
3- بيان الجذور لجميع الكلمات , وهو أمر أهمله معظم كتب المترادفات , أما على سبيل التخفف أو نظراً لصعوبته وقد نبع حرص فريق العمل على ذلك من الرغبة في تمكين الباحث من استدعاء جميع مشتقات الجذر الواحد دفعة واحدة , سواء اتفق معناها أو اختلف , وسواء وجدت علاقة اشتقاقية مباشرة بينها , أو لم توجد .
4- وضع شرح موجز أمام كل كلمة , أو مثال توضيحي ( أو كليهما) , أو الإحالة إلى كلمة أخرى وردت في المجال نفسه . كما روعي في الأمثلة - خاصة بالنسبة للكلمات الحية المعاصرة- أن تكون طبيعية غير مصطنعة ولا متكلفة , أو أن تكون مأخوذة من نص حي حديث . أما الأمثلة التراثية فقد روعي فيها الإيجاز و التركيز, وأن تكون كاملة المعنى بقدر الإمكان و ذات مغزى .
5- إضافة نماذج من المصاحبات اللفظية التي يكثر استخدامها , و أخرى من التعبيرات السياقية التي اكتسبت معاني جديدة زائدة على معاني مفرداتها . وقد وزعت هذه التعبيرات على مكانين ؛ أحدهما مقابل الكلمة التي ورد فيها التعبير , والأخر في نهاية المجال حين يتطابق معنى التعبير مع معنى المجال دون أن يحتوى على أي كامة من كلماته .
6- إضافة معلومة لم تتطرق إليها معظم معاجمنا العربية , وهى تصنيف الكلمة و بيان درجتها في الاستعمال , ونبع الحرص على هذا التصنيف من الإيمان بأن جزءاً من معنى الكلمة يأتى من تحديد مستواها في اللغة , الذي يختلف تبعاً لاختلاف الأسلوب , أو الزمان أو المكان , أو الطبقة الاجتماعية أو الثقافية . إذ ليس من المعقول أن تُرص كلمات الترادف بعضها إلى جانب بعض على توهم أنها مترادفات في معناها اللغوي , فهي مترادفة في معانيها الثانوية و الأسلوبية و السياقية , وهو ما لا يقول به أحد من علماء اللغة و الدلالة المعاصرين .
القائمون على المعجم
توفر على إعداد هذا المكنز فريق عمل ضخم يضم ما يقرب من أربعين عضواً, يعمل كل منهم داخل منظومة متكاملة تحمست لاخراج هذا العمل في أكمل صورة , وكان العامل الأول لإنجازه والدافع الأساسي للاستهانة بكل ما صاحب العمل من صعاب , وما اكتنفه من مشاق , و متابعة العمل بصبر وجلد , مع الامتثال للتعليمات الصارمة بنفس راضية, وصدر رحب. وهذا ما جعل فريق العمل يتفاءل فيما يخص الأعمال العلمية الجماعية , وآمل الفريق أن تتكرر هذه التجربة مرة و مرات , بحيث تقوم على الأسس نفسها : التخطيط الواعي الدقيق , والتنفيذ السليم , والمتابعة الدائبة , والمراجعة الدقيقة , والتقييم المستمر, والانظباط الكامل , والتقويم لأي انحراف أو خروج على خطة العمل , وتوزيع الأدوار على فريق العمل بشكل يحقق التكامل و التعاون في إطار رؤية شاملة
ولقد ترأس فريق العمل طوال فترة العمل و حتى إتمامه على الصورة التي هوعليها الآن الأستاذ الدكتور أحمد مختار عمر ( ت 6 إبريل 2003 ) . رحمه الله أستاذ علم الدلالة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة , وهو غنى عن التعريف وله من الأعمال و المصنفات ما تشهد له بالأستاذية و العلم . نذكر منها ما يلي:
• تاريخ اللغة العربية في مصر. القاهرة: الهيئة المصرية للكتاب, 1970- 165ص .
• البحث اللغوي عند الهنود وأثره على اللغويين العرب. بيروت: دار الثقافة , 1972- 168ص .
• العربية الصحيحة : دليل الباحث إلى الصواب اللغوي. القاهرة: عالم الكتب , 1981- 204ص.
• اللغة واللون . الكويت :دار البحوث العلمية, 1982- 222ص.
• النحو الأساسي. الكويت : ذات السلاسل, 1984- 506ص. (بالاشتراك)
• معجم القراءات القرآنية مع مقدمة في القراءات و أشهر القراء : الكويت : جامعة الكويت , 1988.
• البحث اللغوي عند العرب مع دراسة لقضية التأثير و التأثر . ط 5 القاهرة: عالم الكتب , 1988.
• تاريخ اللغة العربية في مصر والمغرب الأدنى. القاهرة : عالم الكتب, [ - 198].
• علم الدلالة . ط 2 . القاهرة: عالم الكتب , 1988- 296 ص.
• أسس علم اللغة ؛ ترجمة أحمد مختار عمر . ط 2 . القاهرة : عالم الكتب , 1983 .
• من قضايا اللغة والنحو .القاهرة : عالم الكتب , 1974 .
• المعجم العربي الأساسي . القاهرة : المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم , [ 1989]. (بالاشتراك)
• المنجد في اللغة ؛ تحقيق أحمد مختار عمر . القاهرة : عالم الكتب , 1976. ( بالاشتراك )
• دراسة الصوت اللغوي . ط 3. القاهرة : عالم الكتب , 1986 .
التنظيم و التبويب
يحتوى هذا المعجم على 34.530 مدخلاً موزعاً على 1851 موضوعاً أو مجالاً دلالياً , ويقع في 1232 صفحة . وقد رتبت المجالات الدلالية في المعجم هجائياً حسب مجموعات المترادفات , و ألحق بمرادفات كل مجموعة ثنائية ( لها مرادف و مضاد ) ما يقابلها من مجموعة المتضادات .
كما رتبت الكلمات داخل كل مجال هجائياً ليسهل على الباحث الذي يريد كلمة معينة أن يجدها في ترتيبها الهجائي, كما تم إعداد كشاف ثانٍ للكلمات مرتبة هجائياً مع الإحاطة إلى رقم المجال .
وقد تم التوسع في مفهوم الترادف في المعجم ؛ فشمل إلى جانب التطابق التام في المعنى , - مثل :
أتى و جاء , وبعث وأرسل- شمل أشباه الترادف , والكلمات المتضاربة المعنى التي يربط بينها موضوع أو مجال دلالي واحد .
إرشادات استخدام المعجم
وتيسيراً على الباحث فقد قدم المعجم ( المكنز ) العديد من الإرشادات و الأسس التي تم التزامها في المكنز , نقدم طرفاً منها :
1- يمكن للباحث أن يصل إلى ما يريد من خلال كلمة معينة , أو مجال دلالي محدد , كما يمكنه أن يصل إليه من خلال جذر الكلمة .
2- ينصح الباحث حين تصادفه كلمة اشتقاقية أن يبدأ بالبحث عنها في فعلها الماضي, ذلك لاعتبار المجال الفعلي هو الأساس , و تمت الإحالة إليه في مجالي الصفات و الأسماء .
3- ينصح الباحث حين تصادفه كلمة معرفة بــ (ال) أن يجردها منها أولاً , مع ملاحظة أن الكلمات المنكرة المنقوصة ( المنتهية بياء ) ترد في المعجم محذوفة الياء و منونة ( لان هذه هي الصيغة النحوية في حالة الرفع ) والكلمات الممنوعة من الصرف و وضع على حرفها الأخير ضمة واحدة .
4- في حالة وجود حرف معين بعد فعل , مثل: ( عَدَل عن) , (رغب في ), فهذا يشير إلى تعدى هذا الفعل بذلك الحرف , أو إلى أن هذا الحرف قد كوّن مع فعله تعبيراً سياقياً اكتسب معنى جديداً .
5- التزم المعجم بذكر الأسماء في صيغتها المفردة , ما لم يكن الجمع أشهر من المفرد , أو كان الجمع بدون مفرد , مثل : ( الحديث ذو شجون , آلاء , أخذ بتلابيبه ....) .
6- يشمل الاسم في مفهوم المعجم المصادر و أسماء الأعيان , وقد روعي مع ذلك فصل كل نوع عن الأخر بقدر الإمكان , و توحيد كلمات القائمة الواحدة , وقد تم التوسع في مفهوم المصدر فصار شاملاً لكل ما يدل على الحدث المجرد مما سماه النحاة باسم المصدر أو المصدر الميمي .
7- على الرغم من أن معنى الفعل موجود عادة فيما تصرف عنه مشتقات وصفية ( اسم الفاعل – اسم المفعول- الصفة المشبهة- أفعل التفضيل- صيغ المبالغة ....) أو اسمية ( المصدر وما تفرع منه- واسم الزمان- واسم المكان- واسم الآلة.....) فقد تم تخصيص مجالات للمشتقات الوصفية و الاسمية حتى لو كانت تحمل المعنى نفسه الموجود في فعلها , وذلك تيسيراً على الباحث الذي يصعب عليه الوصول إلى المشتق و خاصة حين يكون غبر قياسي كالصفة المشبهة و مصدر الثلاثي.
8- تم الالتزام بتوحيد النوع الكلامي في القائمة الواحدة ( فعل- اسم- صفة- حرف ).
9- تم إدخال تحت الكلمات القرآنية كل كلمة جاءت بالمعنى نفسه في المجال الدلالي المعين نفسه , سواء جاءت بلفظها أو بأحد مشتقاتها القياسية , ولذلك تم اعتبار كلمة (شواء) قرآنية على الرغم من عدم وجودها بلفظها , وذلك لورود فعلها (يشوى) . وتم اعتبار اسم الفاعل (مشتعل) أو المصدر (اشتعال) قرآنياً .
10- تم الالتزام في كتابة جذور الكلمات المشتملة على همزة أن نكتبها دائماً على ألف.
11- تم الالتزام في المعتل (المشتمل على ألف, أو واو , أو ياء) أن يرد الحرف إلى أصله الواوي أو اليائي.
12- يتم تكرار اللفظ إذا اختلف تصنيفه لاعتبار اختلاف التصنيف مبرراً لاعتبار اللفظ لفظين في الحقيقة , مثل كلمة (عقال) التي أخ>ت التصنيفين (لهجة أو لغة محلية) و (من لغة المثقفين) لاختلاف معناها عند كل منهما, ومثل ه>ا يقال عن الفعل (ثقف) الذي ورد في تعبير مثل (ثقف الريح) فصنف على أنه إيجابي تراثي, وفى تعبير آخر مثل: (ثقف نفسه) فصنف على أنه إيجابي معاصر.
13- وضعت التعبيرات السياقية التي تشتمل على إحدى كلمات المجال, ووضعت في السطر نفسه مع الكلمة . أما التعبيرات التي تخلو من إحدى كلمات المجال, ولكن يتناسب معناها مع معنى المجال, فقد وضعت مجموعة في أخر البطاقة بعد الانتهاء من جميع كلمات المجال.
14- تيسيراً على الباحث وضعت الكلمات التي ابتعد شكلها عن جذرها في صورتها دون اعتبار الجذر, فوضعت كلمات : (ذات, وذاتية, وذوات) تحت (ذات) ولم يتم وضعها تحت (ذوو) .
15- بالنسبة للكلمات الأعجمية التي بقيت على عجمتها تم إبقاءها على شكلها ؛ مثل إبريز, وأرجون .
16- اعتمد المعجم الترتيب الهجائي في نظام التشغيل ويندوز
Windows و الذي يعتمد الترتيب التالي:
أ- الترتيب حرفاً بحرف.
ب- الكلمة الأقل في عدد الحروف تأتى أولاً.
ج- عُد الرف المشدد حرفاً واحداً.
د- عدت (أل) التعريف في الترتيب.
هـ- ذكرت الكلمة الخالية أولاً.
و- عُدت الحركات في ترتيب الكلمات المتشابهة في الحروف حسب الترتيب الآ تى:
و بعد هذه السياحة الفكرية بين دفتي هذا المعجم أو المكنز كما يحبذ أن يسميه من قام عليه, ندعو القارئ الكريم إلى استعمال هذا المعجم , الذي يعد بحق فريداً من نوعه , جديداً في شكله و إخراجه , فقد جاء على نحو مميز قلباً و قالباً , وهو بذلك يعيد إلى الأذهان فكرة المعاجم و إعدادها , ذلك لان قوة الأمة من قوة اللغة التي تنطق بها, و أعاد إلينا فكرة استنهاضنا لخدمة اللغة العربية التي وسعت كتاب الله عز وجل , و كانت وعاءً للرسالة الخاتمة, وهى تدعونا لنجدتها وخدمتها مما وصلت إليه الآن بأيدي أبنائها, فاللغة العربية كانت وستكون لغة علم و أدب, لغة التقنية والفن.
|