تعليم العلوم بالعربية فى المستوى الجامعى
نشرت جريدة الأهرام مقالا لـ«لمحمود الربيعى» ــ نائب رئيس مجمع اللغة العربية ــ يتناول فيه أهمية العودة لتعليم العلوم باللغة العربية. فيتساءل: لماذا يلزم تعليم المعارف جميعا ومنها العلوم بالعربية؟ قد نقول إن هذا هو الأمر الطبيعى الذى لا يحتاج إلى سؤال، ولا نزيد على ذلك، وقد نتوسع فنتطرق إلى السؤال التالى: أليست قوى النفس البشرية كلها متعاضدة متكافئة فى تحصيل المعرفة؟ ألا يكون هذا التعاضد أقوى كلما كان صادرا من داخل النفس، وليس مجلوبا من الخارج؟ وإذا صح هذا فكيف يتصور العقل معزولا عن اللسان؟. وقد نتوسع أكثر فنسأل: لماذا نعلم المعارف أصلا؟ ألسنا نقوم بذلك لننتقل بالأفراد ومن ثم بالأمة من دائرة الجهل إلى دائرة العلم، ومن دائرة التحصيل «المعلوماتى» إلى دائرة الإنتاج المعرفى؟ وإذن فكيف يتصور الوصول إلى تلك الدرجة الرفيعة من المعرفة، التى نصل فيها من مرحلة اجترار المعرفة إلى مرحلة إنتاج المعرفة، إذا كنا سنستمر فى التعليم بغير لساننا، وهو لسان مهما قيل من تعلمنا إياه، وإجادتنا إياه، هو لسان غيرنا، أى أنه ليس ترجمان وجداننا وخيالنا؟
يقول الكاتب إن أقصى ما يمكن أن نحصله فى لسان غيرنا أن نستخرج منه المعلومات بصفته وعاء، أما الابتكار فهو محتاج يقينا إلى لغة أصيلة، والدليل على ذلك هذه المبتكرات الوافدة علينا ذاتها، فهى تتم فى لغاتها الأم دون غيرها.
وعن تعليم العلوم بغير العربية فهو يستنكر ذلك، ويرى أن التغيير محتاج إلى همم، وإلى وسائل وإجراءات، وزحزحة أمر كرس بطول الزمن، وبالأمر الواقع، يقع عند البعض فى حدود المغامرة، والمغامرة تحتاج إلى قرارات جريئة، وتحمل خسائر محتملة، لا تقوى عليها عادة عصور الضعف والتخلف، تلك العصور التى تركن دائما إلى عدم التغيير، والركون إلى ما هو مستتب، وتفادى المراجعة والفحص والنقد لعدم القدرة عليها، لكن تدنى المستوى العلمى ماثل أمام أعين الجميع، والتفكير فى أسبابه فرض واجب، وقد ننتهى إذا فعلنا ذلك إلى أنه قد يكون السبب، أو واحد من الأسباب فى أقل تقدير الانفصام بين تلقى المعرفة ولسان الأمة، فكيف يظل ذلك البحث مسكوتا عنه؟
***
واقترح الربيعى أن يتم البدء بمائدة مستديرة يعقدها المجمع، يتناقش فيها أعضاؤه، أو يتناظرون مقدمين آراءهم فى موضوع تعليم العلوم بالعربية، وعارضين الحلول المثلى فى هذه المسألة حسبما يرون، وحين تفضى هذه المناقشات، أو المناظرات، إلى اتجاهات محددة واضحة فى الموضوع، تدعى مؤسسات الدولة المعنية الأخرى إلى الحوار، ليدلى كل بدلوه فى الموضوع، وفى تقديم رؤيته فى جعل العربية لغة تعليم العلم فى كل مراحل التعليم بما فى ذلك التعليم الجامعى. هنا لابد من تفعيل دور المجمع العلمى، ولابد كذلك من توسيع مجال عمل المجلس القومى للترجمة ليشمل ترجمة العلوم دون الاقتصار على الإنسانيات التى تبدو غالبة على عمل حتى الآن، وهو يحمل اسم «القومى»!
وبالمثل لابد من إذكاء روح العربية لدى أساتذة العلوم فى شتى الفروع، وإزاحة الفكرة الممجوجة التى لا ترى ضيرا فى أن يبلغ أستاذ عربى ذروة السنام الأكاديمى، دون حاجة إلى أن يكون له باع معترف به فى لغته القومية، إن المجلس القومى للترجمة يستطيع أن يكون دارا للحكمة فى العصر الحديث، وأن يقوم بترجمات واسعة فى مجال العلوم إلى اللغة العربية تتيح فيها من المستحدثات العلمية، ومن الاختراعات والمصطلحات، يلبى فى حاجات العلم ما تلبيه الفرنسية، أو الإسبانية، لأهلها. ويستخلص الربيعى من ذلك أنه إذا كان ثمة استعصاء على تعليم العلم بالعربية فهو ليس فى العربية، وإنما هو فى أهلها.
***
وحين تكشف هذه المؤسسات عن نتائج أعمالها، وتنشر أبحاثها، وتقدم توصياتها، يمكن أن تنضم إليها مؤسسات أخرى عاملة فى مجال البحث العلمى، كالمركز القومى للبحوث.
ويختتم الكاتب المقال موصيا بضرورة الخروج من دائرة البحث النظرى إلى دائرة الإجراءات العلمية، وفيها ينبغى الوصول إلى قرارات نوعية فى شأن تعليم العلوم بالعربية فى المستوى الجامعى الذى هو مربط الفرس فى اقتراحه، وهذه القرارات النوعية تتضمن تخطيطا للوائح العمل، ورسم المناهج، وما إلى ذلك، ومن اللازم أن يتم ذلك فى تؤدة وحذر، وأن يوكل إلى أهله القادرين عليه، المتجردين من كل غرض سوى غرض خدمة المعرفة، وخدمة الوطن.
الشروق
|