|
|
اللغة العربية والخوف من المستقبل
عبد العزيز محمود المصطفى
يكثر الحديث في هذه الأيام عن لغات العالم وما يهددها من زوال وانقراض. لاسيّما بعد التقرير الأخير الذي أصدرته (منظمة اليونسكو) التابعة للأمم المتحدة وقد حمل أخباراً لا تبشّـر بالخير لمستقبل اللغات ومفادها:
أن الأعوام العشرين المقبلة ستكون سنوات موت لعدد كثير من لغات الشعوب.
وإذا كانت لغتنا العربية لسان الضاد ولغة التنزيل والتأويل قد حفظها (الله) بأن جعلها لغة كتابه ولسان وحيه وفاتحة دعوته وبيان شعائره وسفيرته الى العالمين واستمرت عبر تاريخها الطويل كائناً ينمو ويزدهر لما تمتاز به من خصائص وسمات انفردت بها عن بقية لغات العالم فحريّ بنا أن نكون أكثر اهتماماً بها وأقل بُعداً عنها إذ إنها الركن الأساس للحفاظ على قوميتنا العربية وهويتنا الثقافية.
وبهذا الصدد نذكر ما قاله الأديب اللبناني (جبران خليل جبران) حين سُئل عن مستقبل اللغة العربية فأجاب بأن مستقبلها مرتبط بمستقبل الشعوب التي تتحدث بها. وهذا صحيح إذا علمنا أن اللغات الرسمية التي كانت معتمدة في (الأمم المتحدة) منذ العام 1945م كانت مقتصرة على (الانكليزية والفرنسية والروسية والصينية والاسبانية) ولم تفلح جهود الدبلوماسية العربية مجتمعة لجعل لغتها رسمية في الأمم المتحدة إلا في العام 1973م بعد (حرب تشرين التحريرية) وفي ذلك دليل واضح على أنّ الانتصار العسكري حقق كذلك الانتصار الثقافي. وهذا ما أكده بالقول الأستاذ الدكتور (جورج جبور) في محاضرته التي ألقاها ـ مشكوراً ـ حول اللغة العربية وحرب اللغات قبل أيام.
ولعل المتابع لمسيرة اللغات سيتلمس مدى اهتمام الدول بلغاتها إيماناً منها بأنّ لغتهم الأم هي عنوان سيادتهم ومصدر قوتهم. فعلى سبيل المثال نجد الفرنسيين يهتمون بلغتهم وسموّ معانيها ولا يسمحون لدعاية أن تُكتب بلهجة عامية أو ملحونة وهم يقدّسونها أيّما تقديس وجميعنا يذكر الرئيس الفرنسي السابق (جاك شيراك) حين كان في اجتماع لقمة الاتحاد الأوروبي في (بروكسل) عام 2006م كيف انسحب من الاجتماع لمجرّد أن فرنسياً من موظفي الاتحاد أصرّ أن يتحدث باللغة الانكليزية.
وللأمانة فإن (سورية) من أول الدول العربية التي تنبّهت لأهمية اللغة العربية فكان القرار الحكيم للقائد الخالد (حافظ الأسد) طيّب الله ثراه بتدريس اللغة العربية في شتى مراحل التعليم بعد أن كانت مقتصرة على التعليم قبل الجامعي وسبقه الخطوة الأكثر أهمية وهي تعريب التعليم في كليات الطب السورية.
أسطّر هذه الكلمات وقلبي يتفطر ألماً وحسرة جرّاء زيارة قادتني قبل أيام لإحدى الدول العربية فدخلت مكتبة وحين سألت صاحبها بلغة عربية فصحى عن اسم كتاب، قالي لي: لم أفهم عليك فأعدت السؤال عليه ثانية، فردّ: أقصد تحدّث بلغة مفهومة!!!.
تمتمت حينها في سرّي ما قاله الشاعر (حافظ ابراهيم) على لسان اللغة العربية:
أيهجرني قومي؟!؟ ـ عفا الله عنهم ـ الى لغة لم تتصل برواة
وفي الختام: إن الخير لا يُرجى لأمتنا إلا من خلال العناية بلغتنا العربية مصدر فخرنا واعتزازنا والتي ستبقى العروة الوثقى التي لا انفصام للمّ شعث الأمة العربية ووصل حبالها مهما بعُدت الدار وشطّ المزار.
فلنهتم بقلوبنا وضمائرنا بها ولنتحمس بدافع الغيرة عليها لتدريسها في صورتها المشرقة ومضمونها السامي واضعين نصب أعيننا بأن الأمم لا تفنى ولكنها تموت بموت لغاتها، مستحضرين في الوقت ذاته كلمات السيد الرئيس (بشار الأسد) في خطاب القسم الثاني بتاريخ 17/7/2007م حول اللغة العربية حين قال:
«يجب إيلاء اللغة العربية التي ترتبط بتاريخنا وثقافتنا وهويتنا كلّ اهتمامنا ورعايتنا كي تعيش معنا في مناهجنا وإعلامنا وتعليمنا كائناً حياً ينمو ويزدهر ويكون في المكانة التي يستحقها جوهراً لانتمائنا القومي».
تشرين
|
|
|
|
|