|
|
اللغة العربية: الأصالة ..والأخطار
محمد كشك
يؤكد الفارابي أن الحفاظ على الهوية الثقافية مطلب عام وأساسي لكل المجتمعات، إذ إنها حجر الزاوية في تكوين الأمم باعتبارها تراكم تاريخ طويل من القيم الثابتة التي نشأت عبر عمليات اجتماعية وتاريخية، تمثلت حلقاتها في صورة تجمعات المعنى والقيمة وهي التجمعات التي تتجسد منها المادة الأساسية للثقافة.. وتعد اللغة من أهم الملامح التي تكوّن هوية الأمة وتميزها عن غيرها من الأمم.. فاللغة هي العنصر المركزي لأي ثقافة أو حضارة.. ومن هنا فإن أي تحد لثقافة ما ينطوي على تحد للغتها.. إن لغة الأمة، أية أمة: ماضيها وحاضرها ومستقبلها، ملامحها وقسمات وجهها الذي تعرف به، ويميزها عن الأمم الأخرى.. والاعتزاز باللغة والتمسك بها والذود عنها أول خطوة في طريق البناء والصعود في مدارج الرقي. إن العربية ـ دون مبالغة ـ قامت بدور لم تقم به لغة أخرى، والتاريخ شاهد إثبات على هذه الحقيقة،.لقد كانت حبلاً قوياً؛ جمع في الأمس الصفوف ووحّدها، وجعل منها بنياناً مرصوصاً، فكراً وحضارة وإنجازات، وتستطيع اليوم ـ إن أخلصنا النيات وصدقنا العزم ـ أن تعيد مجدنا التليد، وتبني لنا مجداً يعود بنا إلى مكان الصدارة. ولغة هذا شأنها من حقها أن نبذل في سبيلها الغالي والنفيس حتى تظل هامتها مرفوعة، تجري في عروقها دماء الحياة، وتستمر نبعاً، لا يغيض أصالةً وعطاءً..
منذ زمن غير بعيد كان العقاد يقول: إن اللغة العربية لغة مخدومة، تواتر أبناؤها على العناية بها منذ عصر الجاهلية، وتجددت هذه العناية بعد ظهور الإسلام، حين أصبح العلم باللغة علماً بالدين،مضافاً إلى العلم بالأدب والمعارف اللسانية على تنوعها. ويبدو لنا أن نصيب هذه اللغة من الخدمة في العصر الحديث لا يقل عن نصيبها من خدمة الأوائل، وقد تمثل هذا في العصر الحديث بظهور مجامع اللغة العربية.
إن لغتنا العربية غنية بمعاجمها التي تشتمل على كلمات كثيرة لمعان ثمينة هي بعض تراثنا.. ولقد أثبتت اللغة العربية أنها لغة طامحة حريصة، تستسيغ وتهضم كل ما تستطيع أن تتلقاه أمامها من أنواع البحث والعلم والحضارة على اختلاف فروعها ـ وفق ما يشير إلى ذلك الدكتور طه حسين ـ فكل ماكتبه اليونان والرومان تمثّلته اللغة العربية، وحوّلته إلى ثقافة واحدة.
خاتمة: إن لغتنا كانت وستظل أقوى الروابط التي تشد أبناء الأمة العربية، بعضهم إلى بعض،ويجب تأكيد العزم على أن تظل لها مكانتها الأولى بين مقومات الوجود العربي على لسان العرب وأفئدتهم، في أذهانهم وثقافتهم، في مدارسهم، وجامعاتهم، في حياتهم اليومية والفكرية.. يجب أن نشمخ بها ونحميها في مواجهة الأخطار الجسيمة التي تحدق بلغتنا وتستهدف النيل من الهوية العربية.. إن الضرورة تتطلب الاهتمام بتنفيذ التوصيات العديدة الصادرة في هذا الشأن..إن ذلك ليس بالأمر العسير.
تشرين
|
|
|
|
|