هشام حصحاص
احتفلت المنظمة العالمية للثقافة والتربية والعلوم «اليونيسكو»، الأربعاء في مقرها في باريس بـ«اليوم العالمي للغة العربية»، وسط حضور عدد كبير من المفكرين والمثقفين العرب والأجانب إلى جانب بعض الوفود العربية والإسلامية.
وفي كلمة الافتتاح قالت مديرة المنظمة ايرينا بوكوفا بأنها «جد فخورة بالاحتفال باللغة العربية التي تحمل قيما إنسانية جميلة، فهي تعبر عن الإنسان، وعن معاناته، وعن التضامن وعن الجمال» وأضافت بوكوفا «أدعو الصحافيين والمثقفين والفنانين الذين يهتمون بما يحدث في العالم العربي والإسلامي إلى تعلم اللغة العربية». واستطردت المديرة قائلة «يجب بذل مزيد المجهودات من أجل نشر اللغة االعربية عبر تعليمها في مختلف المدارس والجامعات في العالم، لكي تصبح لغة العلم والتطور والخلق والابداع والتطور التكنولوجي».
وختمت كلمتها قائلة «اليونسكو تحتفي باللغة العربية وتريد أن يكون لها إشعاع دولي، وفي هذا السياق تم تعيين الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي سفيرة اليونسكو للسلام».
ونظمت اليونسكو في هذا الإطار عدة ورشات وندوات دارت كلها حول اللغة العربية في كل مناحي الحياة، كما تم التطرق إلى الإكراهات التي تعيشها في البلدان العربية وفي الغرب بالنسبة لأبناء الجاليات العربية والإسلامية.
وخصصت الجلسة الأولى لـ«تجارب في تعليم اللغة العربية» في أوروبا برئاسة الدكتور بشير العبيدي، مدير المرصد الأوروبي لتعليم اللغة العربية في باريس. وكانت الندوة الثانية تحت عنوان «أثر المبادرات التشجيعية في خدمة اللغة العربية»، وترأست الجلسة الدكتورة هيا السهلي. كما تم تخصيص ندوة حول «دور الإعلام في انتشار اللغة العربية أو انحسارها»، وأدار الجلسة الإعلامي محمد كريشان من قناة الجزيرة الفضائية.
وعرفت الندوات مشاركة عدد من فقهاء اللغة والمتخصصين، بينهم الكاتب والأكاديمي يحيى الشيخ الذي أكد أن «اللغة العربية» في فرنسا قديمة جدا وكان أول من أدخلها الملك فرانسوا الأول عام 1538، كما أن مجموعة من المثقفين الفرنسيين، حاولوا تعلم اللغة العربية وقتئذ بينهم «مونتان» في كتابه «محاولات».
في المقابل اعترف بأن اللغة العربية في فرنسا « تعيش أزمة حقيقية بسبب غياب رغبة سياسية للحكومة الفرنسية لإدخال اللغة العربية كباقي اللغات الحية الأخرى في المدارس الحكومية». وفي تصريح لـ«القدس العربي»، قال الدكتور بشير العبيد، مدير المرصد الأوروبي لتعليم اللغة العربية « إن اللغة العربية تشكو من الإهمال من العرب أنفسهم. وهذا يعد انتحارا ثقافيا. إن تشويه اللغة العربية لغة الوحي والحضارة والعقل عبر استخدام اللهجات العامية أو اللغات الأجنبية، تعد من أكبر منكرات عصرنا» ودعا الدكتور العبيدي البلدان العربية إلى «الاعتناء باللغة العربية، لأن مختلف الأمم التي عرفت نهضة علمية لم تنهض باللغات الأجنبية بل بلغاتها الأم».
ويأتي الاحتفال باللغة العربية بشكل سنوي، بعد قرار اليونيسكو عام 2012 بتخصيص يوم 18 كانون الأول/ ديسمبر من كل عام للاحتفال بلغة الضاد. وتقرر الاحتفال باللغة العربية في هذا التاريخ كونه اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية، ولغات العمل في الأمم المتحدة، بعد اقتراح قدمته المغرب والسعودية وليبيا. ومنذ الثامن عشر من شهر كانون الأول/ديسمبر من عام 1973، اعتمدت الجمعية العامة اللغة العربية لغة عمل رسمية، لتكون بذلك إحدى اللغات الست التي تعمل بها الأمم المتحدة، وهي: العربية والإنجليزية والفرنسية والصينية والروسية والإسبانية.
يذكر أيضا أن الزعيم المصري الراحل الرئيس جمال عبد الناصر أصر على إلقاء كلمته في 25 سبتمبر/أيلول 1960 باللغة العربية، فكان بذلك أول من تكلم باللغة العربية في قاعة الجمعية العامة. وطالب الرئيس عبد الناصر حينئذ بإدخال اللغة العربية لغة رسمية للأمم المتحدة، على أن تتحمل الدول العربية أعباء إنشاء القسم العربي والنفقات الناجمة عن تطبيق هذا القرار خلال السنوات الثلاث الأولى.
وفي عام 1960 اتخذت اليونسكو قرارا يقضي باستخدام اللغة العربية في المؤتمرات الإقليمية التي يتم تنظيمها في البلدان الناطقة بالعربية وبترجمة الوثائق والمنشورات الأساسية إلى العربية. واعتمد في عام 1966 قرار يقضي بتعزيز استخدام اللغة العربية في اليونسكو وتقرر تأمين خدمات الترجمة الفورية إلى العربية ومن العربية إلى لغات أخرى في إطار الجلسات العامة. وفي عام 1968 تم اعتماد العربية تدريجيا لغة عمل في المنظمة مع البدء بترجمة وثائق العمل والمحاضر وتوفير خدمات الترجمة الفورية إلى اللغة العربية.
وتعتبر اللغة العربية من أقدم اللغات السامية، وإحدى أكثر اللغات انتشارا في العالم، ويتحدثها أكثر من450 مليون نسمة. كما تعد من بين اللغات السبع الأكثر استخداما في الإنترنت، وكذلك الأكثر انتشارا ونموا متفوقة بذلك على لغات حية كبيرة مثل الفرنسية والروسية.
يذكر أنه تم التوقيع على اتفاقية تعاون بين اليونسكو ومؤسسة الأمير عبد العزيز الخيرية، لتمويل اليوم العالمي للغة العربية، وفي كلمتها أشادت مديرة منظمة اليونسكو بالجهود الكبيرة التي بذلتها السعودية ومؤسسة الأمير عبد العزيز، في هذا المضمار.
القدس العربي