|
|
أمنيات اللغة العربية للعام الجديد
د. ماجد أبو ماضي
لقد مررت ـ أنا اللغة العربية ـ عبر تاريخي الطويل والسنين المريرة بكثير من الصدمات والأزمات، وتعرضت للكثير من الهجمات والنكسات والدعوات، ولكني لم أر انحداراً مرَّ بي مثلما أمر به في هذا الزمان.
ففي الوقت الذي أرى فيه جميع شعوب الأرض يتمسكون بتراثهم ولغتهم وأصالتهم، فإني أرى أبناء شعبي وجلدتي ـ العرب ـ يتخلون عني وعن النطق بي، فماذا حل بهم؟ مالذي دهاهم وأعمى عيونهم عن استخدام كلماتي الفصيحة، فبدل أن يعملوا على تقدمي وتطوري تراهم يتعمدون هجري وتركي بهم لايريدون أن يتذكروني أو يستخدموني مما أدى بي إلى الضعف والانحدار، فكفاكم بعداً عني ـ ياأبناء العروبة ـ وكفاكم هروباً مني... ومع قدوم العام الجديد لايسعني إلا أعبر لكم عن أجمل أمنياتي بهذا العام:
ـ الأمنية الأولى: أتمنى في هذا العام ألا تتخلوا عني، وأن تلبوا الدعوات والخطط والمشاريع التي تهدف وتسعى إلى تمكيني وتمكني وتقويتي، فإذا عملتم بذلك فستسمون في عيون الآخرين لأني جزء منكم ومن شخصيتكم وعروبتكم، فحفاظكم عليّ حفاظ على أنفسكم والنهوض بقوتي نهوض بقوتكم.. وماضيّ التليد هو جزء من ماضيكم وتراثي هو صورة عن حضارة آبائكم وأجدادكم التي تألقوا بها في الوقت الذي كانت فيه بقية الشعوب تعيش في سبات عميق وظلام دامس...
ـ الأمنية الثانية: أتمنى أن تبتعدوا عن لهجاتكم المحلية التي لاتزيدكم إلا فرقة وبعداً وتعودوا إليّ بشكل مبسط، وذلك كي لاأكون غريبة عنكم، وحتى يألفني الكبير والصغير ويفهموني بشكل سهل وواضح..
لأنكم إذا أمعنتم في اللهجات فسيأتي يوم يحتاج فيه المصري إلى ترجمة مايقوله السوريون أو اللبنانيون وبالتأكيد كلكم تفضلونني ولسوف أظل النافذة الوحيدة التي تطلون منها على العالم كله في شرقه وغربه، ولسوف أظل رمزاً للوحدة العربية والتماسك العربي..
ـ الأمنية الثالثة: أتمنى أن تختاروا بعض مفرداتي وأوزاني ـ وبشكل سريع ـ لتسقطوها على المخترعات الأجنبية التي تصلكم، وذلك حتى لاتثبت الأسماء الغريبة على ألسنتكم، وعليكم أن تردوا كل الدعوات التي تنادي بالتخلي عني وتسكتوا كل الأصوات التي ترتفع مجاهرة بعدائي وتتجرأ علي، فهؤلاء هم أعدائي الحقيقيون، عليكم أن تواجهوهم وتضربوا على أيديهم بشدة، لأن في نفوسهم غايات ليس فيها عداء لي فحسب بل العروبة والأمة والفكر العربي والشخصية القومية، من واجبكم أن تلاحظوا ذلك وتعوا هذه الأهداف والأخطاء.. فمن ينادي بالالتزام باللهجات العامية عوضاً عني فإنه لايريد الخير لهذه الأمة، بل يريد لها السوء والشر..
ـ الأمنية الرابعة: أمنيتي الأخيرة أن أبقى مرنة مطواعاً لي من الخصائص في الاشتقاق ومزايا في التوليد، وأسرار في الصياغة وطرائق في التعبير مايفي بترجمة روائع الفكر، ومسايرة جميع مبتكرات واختراعات العلم، وبدائع الفن ومايلبي مطالب الحياة والأحياء في الأنفس والآفاق، فأنا لست باللغة الجامدة ـ كما يدعي البعض ـ بل أدخل في ثروتي اللغوية الكثير من ألفاظ الحضارة الإنسانية، ومن مصطلحات العلوم والفنون، بعد أن أسقطها في قوالبي لأعيد سبكها من جديد.. فلتتمسكوا بي وتحافظوا عليّ لأن بقائي في بقائكم، وحفاظكم عليّ حفاظ على مستقبلكم.
تشرين
|
|
|
|
|