|
|
اللغة العربية، مكانتها، نشأتها سيرتها الذاتية
سهيل الذيب
تتطور اللغة بتطور المجتمعات وتنكص بنكوصها، وليس غريباً إن كانت لغة قريش القبيلة الأقوى والأغنى في الجزيرة العربية هي اللغة التي نزل بها القرآن الكريم.
وليس من قبيل المصادفة أن انتشرت هذه اللغة في العهود الأولى للفتوحات الاسلامية ومع انبثاق الدولتين الاسلاميتين الأقوى في تاريخ العرب على مر العصور وأعني بهما الأموية والعباسية ففيهما بدأت الترجمة وانتشر التعريب واللغة العربية في جهات الأرض الأربع وبرزت عظمة العرب وعظمة دينهم الجديد في البلدان التي وطئتها سنابك خيل خالد وحسنة وعمر وطارق وغيرهم، لكن اللغة وبعد قرون من تفردها وبروزها تراجعت وانكمشت مع أول حفنة كتب رماها جنود هولاكو في نهر دجلة، وكلما تراجعت حال أصحاب هذه اللغة تراجعت اللغة معهم إلى أن وصلت إلى الحال التي فضل فيها بنوها الاستغناء عنها في أمكنة كثيرة وإبدالها باللغات الاجنبية ظناً منهم أن اللغة عقمت وليسوا هم من صار عقيماً.
مكانة اللغة العربية نشأة ومسيرة وتاريخاً تحدث عنها الاستاذ المتمكن شحادة الخوري في ثقافي العدوي بحضور وزير الثقافة الأسبق الدكتور محمود السيد العالم اللغوي والتربوي المشهود له، والخوري متخصص في علوم اللغة وآدبها، مدير الترجمة والنشر والتأليف في وزارة التعليم له خمسة عشر مؤلفاً في الأدب والثقافة وآخر كتبه: دراسات في الترجمة والتعريب والمصطلح، وهو إلى جانب ذلك عضو في اتحاد الكتاب العرب ورئيس جمعية المترجمين وعضو مجمع اللغة العربية.
بدأ محاضرته حين رأى العدد القليل بقول السموءل:
تعيّرنا أنّا قليل عديدنا فقلت لها: إن الكرام قليل
مستنكراً حال الثقافة وطلابها ومتابعاً أن احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية بدأت مع بدء تعريب الدواوين إلى العربية في عهد معاوية واستمرت إلى يومنا هذا رغم الهزات العنيفة التي تعرضت لها واعتبر أن اللغة العربية تعود إلى سام بن نوح مع مجموعة متقاربة من اللغات كالبابلية والأكادية والكلدانية والسريانية والغسانية وغيرها، والعربية هي أكمل هذه اللغات وأوسعها وأجملها بياناً، وغناها وتنوعها كانا من الشعر الجاهلي، وللقرآن الكريم الأثر الأكبر في إغنائها وفصاحتها وحسن التعبير فيها، وفي القرآن اعجاز لامثيل له رفع اللغة إلى منزلة سامية تكاد تكون مقدسة، وكانت اللغة السبيل إلى وحدة العرب والفتوحات الأولى ـ كما يرى الخوري ـ بمنزلة تحرير للدول العربية ونضوج اللغة حصل أيام الرشيد والمأمون في القرنين الثامن والتاسع الميلاديين إذ ترجمت كل حصيلة المعربة السائدة آنذاك إلى العربية وترجم من اليونانية وحدها أربعمئة كتاب من عيون الكتب في الفلسفة والحكمة والشعر.. استوعب العرب علوم الآخرين واعترفوا لهم بالفضل وأضافوا لبنات إلى مداميك الحضارة الانسانية عكس الغرب الذي لم يعترف للعرب إلا بفضل الأرقام، اهتم العرب بعلم الفلك ودخلت الاسبانية 45كلمة عربية من هذا العلم، وكذا اهتموا بالحضارة الفارسية فنقلوا علومها وعربوا لغتها ودخل العربية آلاف الكلمات المعرّبة وجاء في القرآن الكريم ألفاظ أخذت معاني اختلفت عما كانت عليه كالصلاة والزكاء وكان الاشتقاق باباً واسعاً لإغناء اللغة فسلكوه لايجاد كلمات ومعانٍٍ جديدة، ماضي اللغة مشرف لإنه غني بمضمونه وصورته(الدين والتشريعات والعلوم والقوالب اللغوية التي صبت فيها المدلولات بشكل واضح).
إن الإيجاز من الصفات الرئيسية للغة العربية التي تألقت في القرن الرابع الهجري زمن الفارابي وابن سينا وأبي العلاء والمتنبي..الخ وآخر رموز الحضارة العربية كان ابن خلدون مؤسس علم العمران وابن رشد صاحب الكليات في الطب.. في هذه الفترة نقلت خلاصة العقل العربي إلى الغرب وابتدأ بنهضته في القرن 15 للميلاد التي اشترك فيها أمم كثيرة بين العرب صنعوا حضارتهم لخمسة قرون فقط، ليجمد الفكر والثقافة واللغة العربية حتى قدوم محمد علي باشا الذي كان صاحب مشروع علمي ووحدوي في آن معاً فقد ارسل 300 أزهري إلى فرنسا لتلّقي العلم بالفرنسية وفي مختلف الاختصاصات وعادوا حاملين كتبهم التي ترجموها ومن لم يترجم أبقاه خارجاً ليتم ترجمته ومن هؤلاء كان رفاعة الطهطاوي الذي درس الفرنسية وأتقنها وتخصص بالترجمة وأنشأ دار الألس وبدأ يُعلّم بالعربية في مصر عام1926رغم العراقيل والاحتلال الانكليزي الذي كان في العام 1882، وفي الجامعة الاميركية في بيروت استمر التدريس بالعربية 62عاماً إذ إن بدايات التدريس في تلك الجامعة كانت باللغة العربية، انتشرت العلوم في العصر الحديث في الأقطار العربية كلها وكانت ومازالت تدرس باللغات الاجنبية لكن في سورية ومنذ العام 1919إباّن الحكم الفيصلي افتتح معهد الطب والحقوق ودُرّسا بالعربية ومن أعلامهما مرشد خاطر وأحمد عبد الخياط والكواكبي، وبعد الاستقلال عن فرنسا افتتحت الكليات وبلغ عددها حالياً 125كلية تدرس كلها باللغة العربية خلافاً لكل الجامعات العربية.
وبعد... هناك صعوبات منها أن العامية تطارد الفصحية وهذا ليس جديداً فهو من أيام القبائل علماً أن ليس هناك جدارٌ بين العامية والفصحى فـ 80% من العامية هي فصيحة ومنها أن التعليم العالي يؤدى بالأجنبية فالعلوم بالأزهر مازالت بالأجنبية وذلك أن الانسان لا يبدع إلا بلغته الأم، إضافة إلى ذلك اختلاف المصطلحات بين مجامع اللغة العربية في الأقطار العربية فالتنسيق بين هذه المجامع ضعيف وليس بينها منهج واحد تتفق عليه أن في كل يوم تدخل ساحة المعرفة عشرون كلمة جديدة وهذا أمر يجب أن يعطى الأولوية
واضافة لتأثير العربية باللغات الأخرى فقد أثرت هي فيها أيضاً وعلى سبيل المثال لا الحصر ففي التركية 5،65%من اللغة يعود إلى أصول عربية وفي الفارسية 60%وفي الطاجكية5،46% وفي الأوردية الهندية42%وفي البرتغالية هناك ما لايقل عن خمسة آلاف لفظة عربية، وكذلك في باقي اللغات وهذا يدل على عظيم الأثر الذي تركه التلاقح الثقافي بين الأمم مع العلم أن العربية هي السادسة بين لغات الأمم رغم التقصير والإهمال في نشر هذه اللغة على مستوى العالم فهناك أربعة مراكز ثقافية عربية في العالم أو على المستوى العربي الذي مازال التعليم في جامعاته باللغة الأجنبية، لاريب أن اللغة العربية خالدة ولن تندثر ولكنها بحاجة إلى التطوير والتأهيل لتواكب عصر الثورة العلمية الذي نحن فيه، ولن يتأتى ذلك لها إلا بتطور الشعب العربي وأخذه ناصية العلم والتقدم المعرفي و الاختراعات والابتعاد عن الخرافة والهرطقة الدينية والمعرفية وفصل الدين عن الدولة.
فالعربية لغة واسعة ومتطورة وما على الباحثين إلا الغوص في أعماقها لاكتشاف عظمتها وما قصيدة حافظ ابراهيم«اللغة تتكلم عن نفسها» إلا دليل على ذلك:
رموني بعقم في الشباب وليتني عقمت فلم أجزع لقول عداتي
أنا البحر في أحشائه الدرّ كامن فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
فاسألوا الغواص عن هذه اللغة المعجزة
تشرين
|
|
|
|
|