|
|
نحو خطة وطنية لتمكين اللغة العربية
سمير المحمود
انطلاقاً من كون اللغة هي الأداة في صنع الهوية والإكسير الحقيقي لمفهوم الانتماء، نظم المركز الثقافي العربي في كفرسوسة برنامجاً فاعلاً ولافتاً يدعو من خلاله كبار الاختصاصيين في هذا المجال لمناقشة الأسس والركائز التي تفعّل دور اللغة في حياتنا على كل الصعد وفي كل مجالات الحياة.
ولابد من الاشارة الى أن هذا البرنامج يعتبر خطوة هامة وإيجابية في تطبيق القرار الذي أخذ على أعلى المستويات.. ومن ضمن هذا البرنامج.. عقدت ندوة بعنوان «نحو خطة وطنية لتمكين اللغة العربية» بإدارة الأستاذ الدكتور سهيل الملاذي وبمشاركة الأساتذة: الدكتور إحسان النص والدكتور موفق دعبول، أشار فيها الدكتور الملاذي الى أن حديثنا عن الاعتزاز بالهوية القومية، لايعني الانغلاق على التفاعلات الحضارية القائمة اليوم في العالم، بل يعني المشاركة الفعلية الندية في التقدم العلمي والفني والاقتصادي والتقني انطلاقاً من دورنا التاريخي في صياغة الحضارة الانسانية المعاصرة، ولكن بأدواتنا الحضارية ولغتنا التي ينبغي أن نرتقي بها ونطوّرها، لتكون قادرة على التعبير عن المفاهيم العلمية والثقافية المعاصرة، وهي قادرة على استيعاب كل هذه المعطيات، بما تحتويه من رصيد زاخر، وماتملكه من إمكانية التطور والحياة، وماتمتاز به من مرونة في الاشتقاق والنحت والتوليد.
كما تحدث الأستاذ الدكتور إحسان النص عما قامت به مجامع اللغة العربية وعن دورها في حماية اللغة العربية وتمكينها، وذكر أن أول مجمع للغة العربية في الوطن العربي تم إحداثه في دمشق عام 1919 في زمن حكم الملك فيصل وأضاف أن من قام على تأسيسه هم من العباقرة الأفذاذ، وكان لهم انجازات كبيرة، منها تعريب الكتب والدواوين المكتوبة باللغة التركية ونقلها الى اللغة العربية، وكانوا يلقون محاضرات أسبوعية..
وأشار إلى أنه في البدء كان اسمه (المجمع العلمي العربي) ثم تحول بعد ذلك الى (مجمع اللغة العربية) وقال: إن هذا المجمع أقام عدداً من المؤتمرات والندوات حول اللغة العربية لم يقم بها مجمع آخر في الأقطار العربية، وذكر أمثلة على ذلك «ندوة اللغة العربية في مواجهة المخاطر» ـ (اللغة العربية والمجتمع) ـ ( اللغة العربية والإعلام) ـ (اللغة العربية والتعليم)، وأضاف :إنه لايوجد مجمع آخر يضاهي مجمع دمشق في نشره للتراث فقد نشر حوالي أكثر من ثلاثمئة كتاب، وإن هذه الكتب سدّت فراغاً كبيراً في المكتبة العربية وذكر أن من مزايا المجمع أنه يتألف من لجان.. كل لجنة تعمل في جانب، ومن الأعمال التي قام بها المجمع (توحيد مصطلحات الفيزياء) التي أصبحت تدرس في جميع الجامعات السورية، وسيعمل على توحيد مصطلحات الكيمياء كما وضع معجماً تاريخياً للغة العربية.
وذكر أنه يوجد في الوطن العربي ثمانية مجامع للغة العربية وقال :إنه لايوجد في الخليج أي مجمع ولافي لبنان ،وأشار إلى أنه يوجد اتحاد لمجامع اللغة العربية تأسس عام 1971 في بيت المرحوم الأديب طه حسين، وعمل هذا الاتحاد التنسيق بين مجامع اللغة العربية، ويقوم بإصدار المقررات والتوصيات، ومقرّه في القاهرة ولكن من الممكن له أن يعقد اجتماعاته في أي بلد عربي، وأشار الى أن هناك مأخذاً على هذا الاتحاد بأنه لايقوم بتوحيد المصطلحات مع أنها مهمة أساسية. أما الأستاذ الدكتور موفق دعبول فقد تحدث عن أهمية اللغة العربية وعظمتها بين اللغات مستشهداً برأي أحد المستشرقين: « لايوجد على وجه الأرض لغة لها من الروعة والعظمة ماللغة العربية». ولكن لاتوجد على وجه الأرض أمة تسعى بوعي أو من دون وعي الى تدمير لغتها كالأمة العربية.. وذكر أن تغيير اللغة هو تغيير الذات.. تغيير الانسان من أصوله وجذوره وانتمائه.. والحفاظ على اللغة ضروري جداً للحفاظ على الهوية وتحدث عن أثر اللغة في الحكم، حيث ذكر مثالا بأن الحاكم الفرنسي كان من أولى توصياته لجيشه الزاحف لاحتلال الجزائر «علّموا لغتنا وانشروها حتى نحكم الجزائر، فإذا حكمت لغتنا الجزائر فقد حكمناها حقيقة» كما أكد على جمالية اللغة العربية مستشهداً بقول المستشرقة الألمانية «ماري شيمل» «اللغة العربية لغة موسيقية جداً» ولاأستطيع أن أقول فيها إلا أنها لابد أن تكون لغة أهل الجنة.. لموسيقاها» وأيضاً استحضر عدة شواهد أخرى لمستشرقين أجانب شهدوا لجمال لغتنا وروعتها مثل (هونكة) في كتابها (شمس العرب تسطع على الغرب) بقولها: كيف يستطيع الانسان أن يقاوم جمال هذه اللغة ومنطقها السليم..؟!
وختم بما معناه :إن مصلحة الوطن هي مصلحة الأجيال القادمة وإذا ماأردنا ـ أيضاً بما معناه ـ أن نؤسس لمصلحة الأجيال القادمة يجب علينا الاهتمام بهذا الجانب أيما اهتمام ألا وهو الحفاظ على لغة سليمة متينة.
تشرين
|
|
|
|
|