|
|

اللغة العربية.. هل من منافس؟
د. محمد مبارك
في عام 2004، عرضت دور السينما العالمية فيلم «آلام المسيح» (Passion of the Christ). بعض دور السينما في الشرق الأوسط امتنعت عن عرض الفيلم، وهنا في البحرين لم يُعرض أيضًا. كنت حينها من أشد المعارضين للامتناع عن عرض الفيلم، ذلك لأنه بحد ذاته يشكل تحفة سينمائية وإنتاجًا رائعًا، سواء اتفق البعض مع مضمونه أم لم يتفق.
ولأن الفيلم قد مُنع عرضه حينها، وجدت طريقي إلى نسخة لا بأس بها من أحد الأصدقاء. وكانت مذيلة بترجمة إنجليزية، لكون أحداث الفيلم تدور باللغة الآرامية، وهي اللغة التي كان يتحدث بها سيدنا المسيح، كما أنها الأخت التوأم للغتين العربية والعبرية، ويطلق عليها جميعًا اللغات السامية أو الكنعانية.
وحينما جلست أشاهد الفيلم، كنت في البداية أقرأ الترجمة الإنجليزية، لكن سرعان ما انتبهت إلى أن من يتحدث اللغة العربية سوف لن يحتاج إلى من يترجم له اللغة الآرامية، فالمفردات متشابهة جدًا، ومتطابقة في كثير من الحالات، والعبارات والنطق كذلك، فصرت أستمع إلى اللغة الآرامية وأستوعب ما يقال في الفيلم، من دون الحاجة إلى ترجمة أو مترجم. ومن الأمثلة التي قيلت باللغة الآرامية بشكل يطابق اللغة العربية أو يماثلها: «اغسل يديك» و«إلهي» و«اشتاكوا» بمعنى «اسكتوا» و«يومين» بمعنى «أيام» وغير ذلك الكثير، لا تسعفني الذاكرة الآن.
لكن من المهم أن نشير هنا إلى أنه من الناحية التاريخية والجغرافية، فإن اللغة الآرامية تكاد تنقرض، ولم يعد هناك الكثيرون ممن يتحدثون هذه اللغة، حتى فيلم آلام المسيح، واجه المنتجون فيه صعوبات بالغة في إيجاد ممثلين يحسنون اللغة الآرامية أو على الأقل يمكن أن يتعلموها بسرعة. أما اللغة العبرية (لغة اليهود) فإنها اليوم محصورة في الإسرائيليين، واليهود الذين لم يهاجروا إلى إسرائيل، في حين أن اللغة العربية هي اللغة السامية الأوسع انتشارًا والأكثر ثباتًا وقوة، ولذلك فقد صنفها علماء اللغة بأنها إحدى اللغات المؤهلة كي يطلق عليها وصف (Lingua Franca)، وهذا مصطلح إنجليزي يعني اللغة العالمية، أو لغة التخاطب العالمي، تمامًا كاللغة الإنجليزية التي تعتبر اليوم وسيلة التخاطب الأولى بين شعوب العالم. والعربية صنفت أيضًا على هذا الأساس بسبب قوتها، وانتشارها على رقعة جغرافية كبيرة من الشرق إلى الغرب.
ولذلك، فإن علماء اللغويات في العبرية والآرامية، حينما يواجهون مشكلة في تفسير مفردات معينة في العبرية والآرامية، أو فهم ارتباطها بمفردات أخرى، فإنهم يلجأون إلى اللغة العربية لمحاولة فهم المفردات، إذ إن الحقيقة التاريخية هي أن اللغة العربية تبقى الأكثر قوة وسحرًا وجمالاً، وحينما نزل القرآن الكريم على سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) كمعجزة إلهية للعرب في شبه الجزيرة العربية، كان وجه الإعجاز فيها هو قوة اللغة وعمقها وسحرها وجاذبيتها، لكون العرب قد برعوا في اللغة والبلاغة والشعر والأدب، فكانت المعجزة التي جاءتهم من نفس جنس ما برعوا فيه، إعجاز إلهي في اللغة.. اللغة العربية.
أخبار الخليج
|
|
|
|
|