للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

ثقافة السلام في الشعر الجاهلي

أ.د. محمد عبد الله سليمان

لا أريد الدخول في تفاصيل المدلول اللغوي والإصلاحي لمفهوم ثقافة السلام peace culture)) خشية الإطالة والانصراف عن الموضوع الأساسي ، فهذا المصطلح تتعاطاه كثير من المنظمات الدولية الموجودة في عالمنا المعاصر ، وعرفته بتعريفات يمكن الرجوع إليها في مظانها من القوانين والنظم الدولية ، وهو في مغزاه دعوة للوقوف في وجه العنف الممارس ، وتوخي الأمن والسلم الدولي ، ولا أود الحديث عن المصطلح من الناحية السياسية ولكن ما أود البحث عنه هو عناصر السلام والدعوة إليه في الشعر الجاهلي وما أسهم به من مبادرات في إيقاف الحروب والعنف في فترات تاريخية مختلفة ، ووقائع مشهورة لاسيما في حروب القبائل قديما في الجاهلية  .
وإذا كان الشعر العربي يبدأ من العصر الجاهلي الذي شهد حروبا كونية يديرها ملوك كسرى والقياصرة ، وحروبا داخلية بين العرب ضد بعضهم تحركها العصبية القبلية ، وتنشب لأتفه الأسباب ، ويستجيب لها أفراد القبلية دون التعقل والنظر في أسبابها الموضوعية بدافع الحمية ، وأيدلوجية الشاعر دريد بن الصمة :
وَهَل أَنا إِلّا مِن غَزِيَّةَ إِن غَوَت       غَوَيتُ وَإِن تَرشُد غَزيَّةُ أَرشَدِ
وعلى شاكلة تعنت الشاعر القطامي التغلبي:
وأحياناً على بَكرٍ أخينا       إذا ما لم نَجِد إِلا أخانا
فقد شهد العصر الجاهلي حروبا كبرى مثل حروب الأوس والخزرج حتى بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وحرب ابني وائل ، بكر وتغلب أربعين سنة في مقتل كليب ، ومن أمثالهم : هو أعز من كليب وائل، وهو كليب بن ربيعة التغلبي ، كان أعز العرب في دهره ، فقتله جساس بن مرة ، ففيه كانت حرب بكرٍ وتغلب ابني وائل ، وهي حرب البسوس . وداحس والغبراء نحو أربعين سنة ، وحرب الكلاب الأولى والثانية ، وحروبات أخرى وصراعات ، وثأرات لاحصر لها ولاعد ، ولكن في ظل هذا التفاقم الحربي والعنف القبلي المتعاظم والدعوة إلى العصبية ، وإثارة النعرات القبلية ، وتأجيج الحروب ، وتزكية نارها ، برز دعاة للسلام ينشرون ثقافته وينذرون من خطر الحرب ، وينفرون منها ، فعندما وقعت حرب داحس والغبراء إثر رهان بين رجل من بني عبس يقال له قرواش وماري بن حمل بن بدر فقال حمل : الغبراء أجود ، وقال قرواش: داحس أجود وحدث ماحدث واستمرت الحرب بين عبس وذبيان أربعين عاما ، والقصة طويلة لايسع المجال لذكرها يمكن الرجوع إليها في كتاب خزانه الأدب ، لعبد القادر البغدادي أو غيره .
 كان زهير بن أبىسلمى من دعاة السلام والصلح ونبذ العنف في هذه الحرب يحذر من أضرارها الاجتماعية والبيئية والنفسية ، ومعلقته أكبر شاهد على ذلك :
سَعَى سَاعِيَا غَيْظِ بْنِ مُرّةَ بَعْدَمَا        تَبَزَّلَ ما بَيْنَ العَشِيرةِ بِالدَّمِ
فَأَقْسَمْتُ بِالبيْتِ الذي طَافَ حَوْلَهُ     رِجَالٌ بَنَوْهُ مِنْ قُرَيْشٍ وجُرْهُمِ
يَميناً لَنِعْمَ السَّيدَانِ وُجِدْتُمَا        عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ سَحيْلٍ وَمُبْرَمِ
تَدَارَكْتُما عَبْساً وذُبْيَانَ بَعْدَما        تَفَانَوْا وَدَقّوا بَيْنَهم عِطرَ مَنْشَمِ
وَقَد قُلتُما إنْ نُدرِكِ السّلمَ واسِعاً    بِمَالٍ وَمَعْرُوْفٍ مِنَ الأمرِ نَسْلَمِ
فَأَصْبَحْتُمَا مِنْها على خَيرِ مَوْطِنٍ    بَعيدَيْنِ فيها مِنْ عُقُوقٍ وَمَأثَمِ
أَلاَ أَبْلِغِ الأَحْلافَ عَنِّي رِسَالةً      وَذُبْيَانَ: هَلْ أَقْسَمْتُمُ كُلَّ مُقْسَمِ
وَمَا الحَرْبُ إلاّ ما عَلِمْتُمْ وَذُقْتُمُ     وَمَا هُوَ عَنْهَا بالحَديثِ المُرَجَّمِ
متى تَبْعَثُوها تَبْعَثُوهَا ذَمِيْمَةً،         وَتَضْرَ إذا ضَرّيْتُمُوها فَتَضْرَمِ
فَتَعْركُكُمْ عَرْكَ الرِّحَى بِثِفَالِها            وَتَلْقَحْ كِشَافاً ثُمَّ تُنْتَجْ فَتُتْئِمِ
فَتُنْتِجْ لَكُمْ غِلْمَانَ أَشْأَمَ كَلُّهُمْ          كَأَحْمَرِ عَادٍ ثُمَّ تُرْضِعْ فَتَفْطِمِ
وقد جرب عمرو بن معد يكرب الزبيدي الحرب في الجاهلية وكان أحد فرسانها الذين لا يشق غبارهم   ، يشاركه في ذلك عنترة بن شداد ، ودريد بن الصمة ، وبعد تجارب مريرة مع الحرب ، وخوض غمارها ، وإدراك ما تجره من ويلات ، سأله عمر بن الخطاب رضي الله عنه  عن الحرب ، فقال : مرة المذاق ، إذا قلصت عن ساقٍ ، من صبر فيها عرف ، ومن ضعف عنها تلف ، ثم أنشد:
الحَرْبُ أَوَّلَ ما تَكُونُ فُتَيَّة            تَسْعَى بزينتَها لكُلّ جَهُولِ
حتَّى إِذَا اسْتَعَرَتْ وشَبَّ ضِرَامُها  عادَتْ عَجُوزاً غَيْرَ ذاتِ خَليِل
شَمْطَاءَ جَزَّتْ رَأْسَها وتَنَكَّرَتْ             مَكْرُوَهةً لِلشَّمِّ والتَّقبيل
أما آن لنا أن نستفيد من هذه الخبرات التراكمية ، والإفادات الثرة من شعراء خبروا الحرب وويلاتها ، وأن نوظف ذلك لتحقيق الأمن والسلام الاجتماعي في عصر الحضارة والتقدم التكنولوجي والعلمي أم أننا دقينا بيننا عطر منشم  .
قال الأصمعي: منشم  . ، بكسر الشين  ، اسم امرأة عطارة كانت بمكة ، وكانت خزاعة وجرهم إذا أرادوا القتال تطيبوا من طيبها، وإذا فعلوا ذلك كثرت القتلى فيما بينهم فكان يقال أشأم من عطر منشم . يضرب في الشر العظيم.


التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية