للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

وقفات على أبواب القوافي – 2

أ.د. محمد عبد الله سليمان

  نقف هذه المرة علي أعتاب باب عتيق من أبواب القوافي باب المخضرم حسان بن ثابت رضي الله عنه ، حيث يقول :
كَأَنَّ سَبِيئَةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ       يَكُون مِزَاجَهَا عَسَلٌ وَمَاءُ
وقد اخترنا هذا البيت من قصيدة عصماء في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهجاء المشركين وردت في صحيح مسلم ، ج 16 ، ص  226 ، رقم الحديث 6550
   أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ : عَلِىُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا ابْنُ مِلْحَانَ حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ خَالِدٍ يَعْنِى ابْنَ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى هِلاَلٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« اهْجُوا قُرَيْشًا فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقِ النَّبْلِ ». فَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ رَوَاحَةَ فَقَالَ :« اهْجُ ». فَهَجَاهُمْ فَلَمْ يُرْضِ فَأَرْسَلَ إِلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ حَسَّانُ :« قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تُرْسِلُوا إِلَى هَذَا الأَسَدِ الضَّارِبِ بِذَنَبِهِ ». ثُمَّ أَدْلَعَ لِسَانَهُ فَجَعَلَ يُحَرِّكُهُ ثُمَّ قَالَ : وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لأَفْرِيَنَّهُمْ بِلِسَانِى فَرْىَ الأَدِيمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« لاَ تَعْجَلْ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ قُرَيْشٍ بِأَنْسَابِهَا وَإِنَّ لِى فِيهِمْ نَسَبًا حَتَّى يُخْلَصَ لَكَ نَسَبِى ». فَأَتَاهُ حَسَّانُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ مَحَضَ لِى نَسَبَكَ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْعَجِينِ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ لِحَسَّانَ :« إِنَّ رُوْحَ الْقُدُسِ لاَ يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ مَا نَافَحْتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ». وَقَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ :« هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى ». فَقَالَ حَسَّانُ :
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ    وَعِنْدَ اللَّهِ في ذَاكَ الْجَزَاءُ
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا بَرًّا حَنِيفًا        رَسُولَ اللَّهِ شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ
فَإِنَّ أَبِى وَوَالِدَهُ وعرضي     لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ
ثَكِلْتُ بُنَيَّتِى إِنْ لَمْ تَرَوْهَا       تُثِيرُ النَّقْعَ مَوْعِدُهَا كَدَاءُ
يُنَازِعْنَ الأَسِنَّةَ مُشْرَعَاتٍ    عَلَى أَكْتَافِهَا الأَسَلُ الظِّمَاءُ
تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ           تُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ
فَإِنْ أَعْرَضْتُمُ عَنَّا اعْتَمَرْنَا  وَكَانَ الفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ
وَإِلاَّ فَاصْبِرُوا لِضِرَابِ يَوْمٍ       يُعِزُّ اللَّهُ فِيهِ مَنْ يَشَاءُ
وَقَالَ اللَّهُ قَدْ أَرْسَلْتُ عَبْدًا     يَقُولُ الحَقَّ لَيْسَ بِهِ خَفَاءُ
وَقَالَ اللَّهُ قَدْ أَرْسَلْتُ جُنْدًا    هُمُ الأَنْصَارُ عَزْمَتُهَا اللِّقَاءُ
لَنَا فِى كُلِّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ          سِبَاءٌ أَوْ قِتَالٌ أَوْ هِجَاءُ
فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ مِنْكُمْ      وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ
 وَجِبْرِيلٌ رَسُولُ اللَّهِ فِينَا    وَرُوحُ الْقُدُسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ  .
وقد ابتدر حسان  رضي الله عنه قصيدته بالنسيب بحسب العرف السائد في القصيدة العربية آنذاك فقال :
عفتْ ذاتُ الأصابعِ فالجواءُ، إلى عذراءَ منزلها خلاءُ
دِيَارٌ مِنْ بَني الحَسْحَاسِ قَفْرٌ، تعفيها الروامسُ والسماءُ
وكانَتْ لا يَزَالُ بِهَا أنِيسٌ،    خِلالَ مُرُوجِهَا نَعَمٌ وَشَاءُ
فدعْ هذا، ولكن منْ لطيفٍ،    يُؤرّقُني إذا ذَهَبَ العِشاءُ
لشعثاءَ التي قدْ تيمتهُ،             فليسَ لقلبهِ منها شفاءُ
كَأنّ سَبِيئَة  مِنْ بَيْتِ رَأسٍ،   يَكُونُ مِزَاجَهَا عَسَلٌ وَمَاءُ
   وقد كان للنحات وقفات عند هذا البيت لاسيما في كلمة ( مزاجها ) فقد أعربوها بأكثر من وجه ، تارة مرفوعة وتارة منصوبة ، ولكن قبل أن نستعرض وجوه الإعراب عندهم لابد أن ننظر إليه من زاوية اللغة لنستجلي معني البيت ومضمونه ، جاء في لسان العرب لابن منظور : " هذا البيت في الصحاح كأَنَّ سَبِيئةً في بيت رأْسٍ قال ابن بري وصوابه مِن بَيْتِ رأْسٍ وهو موضع بالشام والسَّبَّاءُ بَيَّاعُها ".
  وجاء في الصحاح " سَبَأْتُ الخمر سَبْأً ومَسْبَأً، إذا اشتريتَها لتشربها. قال الشاعر:
يَغْلو بأيدي التِجار مَسْبَؤُها
أي إنها من جودتها يغلو اشتراؤها. واسْتَبَأْتُها مثله، والاسم: السِباءُ، ومنه سُمِّيَتِ الخَمْرُ سَبِيئَةً. ويُسَمَّونَ الخمًّار: السَّبَّاء. فأمَّا إذا اشتريتها لتحملها إلى بلدٍ آخر قلت: سَبَيْتُ الخمر بلا همزٍ ".
  وقال ياقوت الحموي ، صاحب معجم البلدان: " بيت رأس اسم لقريتين في كل واحدة منهما كروم كثيرة ينسب إليها الخمر إحداهما بالبيت المقدس وقيل بيت رأس كورة بالأردن والأخرى من نواحي حلب " .
  قال المبرد في كتابه الكامل " وقوله : " كأن سبيئةٌ " ، يقال سبأتها: إذا اشتريتها سباءٌ، يعني الخمر، والسابيء:الخمار ".
   وقد وُجّه سؤال نحوي إلى حسان رضي الله عنه في رسالة الغفران ، للمعري " كيف قلت يا أبا عبد الرحمن: أيكون مزاجها عسل وماء، أم مزاجها عسلاً وماء، أم مزاجها عسل وماء على الابتداء والخبر؟ " .وقد أجاب النحاة عن هذا السؤال :
   فجاء في كتاب علل النحو لأبى الحسن الوراق " العسل نكرة ، وهي اسم ( كان ) ، والمزاج معرفة ، وهو الخبر ، وإنما حسن مثل هذا لأن العسل اسم جنس ، فتعريفه كتنكيره في المعنى ، وقلما يوجد في أشعارهم أن يكون الخبر معرفة محضة ، والاسم نكرة محضة ، لما ذكرناه من قبح ذلك " .
  وقال أبوبكر البغدادي في الأصول في النحو " فجعل إسم ( كان ) عسل وهو نكرة وجعل مزاجها الخبر وهو معرفة بالإضافة إلى الضمير ومع ذلك فإنما حسن هذا عند قائله أن عسلا وماء نوعان وليسا كسائر النكرات التي تنفصل بالخلقة والعدد نحو : تمرة وجوزة ، والضمير الذي في ( مزاجها ) راجع إلى نكرة وهو قوله : سبيئة ، فهو مثل قولك : خمرة ممزوجة بماء " .
  وذكر ابن منظور في لسان العرب " قال حسان كأَنَّ سَبِيئةً من بيتِ رأْسٍ يكونُ مِزاجَها عَسَلٌ وماءُ قال نصب مزاجها على أَنه خبر كان فجعل الاسم نكرة والخبر معرفة وإِنما جاز ذلك من حيث كان اسْمَ جنس ولو كان الخبر معرفة محضة لَقَبُحَ "
  ويقول جمال الدين عبد الله الأنصاري في كتاب أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ، " ومما جاء بزيادة "تكون" بلفظ المضارع، قول حسان بن ثابت:
كأنْهُ سبيئةٌ من بيت رأس      يكون مزاجها عسل وماءُ
فعلى رواية رفع "مزاجها عسل وماء" على أنها جملة من مبتدأ وخبر في محل رفع صفة لـ "سبيئة" فذهب بعضهم إلى زيادة "يكون" على هذه الرواية، وذهب بعضهم إلى أن يكون" عاملة واسمها ضمير شأن محذوف، ومزاجها عسل وماء، من المبتدأ والخبر، في محل نصب خبرها. " .
  وجاء في شرح أبيات سيبويه للسيرافي " والشاهد في البيت إنه جعل (مزاجها) وهو معرفة خبر يكون. وقد حكي عن أبي عثمان إنه كان ينشد:
يكون مزاجها عسلاً وماءُ
يرفع (مزاجها) بيكون، وينصب (عسلا) لأنه خبر يكون، يرفع (ماء) بإضمار فعل كأنه قال: ومازجها ماء . وقيل: قد قال بعضهم:
يكون مزاجها عسلٌ وماءُ
يجعل في (يكون) ضمير الأمر والشأن، ويرفع (مزاجها) بالابتداء، وما بعده خبره، والجملة في موضع خبر يكون. وهذان الوجهان لا يدفع جوازهما ولكن الرواية على ما انشد سيبويه، ولم يقل سيبويه إنه لا يجوز غير ما انشده، ولكنه أنشد البيت على الوصف الذي روته الرواة، وذكر وجه روايتهم.
فالذي يحسن جعل النكرة في هذا البيت اسما، أن العسل والماء وما أشبههما من الأجناس تؤدي نكرته عن معرفته في المعنى، كما تقول: فلان يأكل خبزا ويشرب ماء، أو يأكل الخبز ويشرب الماء، يريد إنه يأكل من هذا الجنس ويشرب منه. فلو قال: يكون مزاجها العسل والماء، لكان بمنزلة قوله: عسل وماء.
وقد يجوز أن ينشد: يكون مزاجها عسل وماء، يجعل في (يكون ضمير السبيئة، و (مزاجها) مبتدأ وما بعده خبره، والجملة في موضع خبر (يكون). ويجوز أن يقال: أن في (يكون) ضميرا من السبيئة ، و (من بيت رأس) خبر يكون، والجملة وصف للسبيئة، و (مزاجها عسل وماء) جملة هي وصف ثان ".
ولنا لقاء مع بيت آخر.


التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية