للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

شواعر السودان - 5

أ.د. محمد عبد الله سليمان

 

الشاعرة بنت مكاوي

   من شواعر السودان شاعرة تدعى " بنت مكاوي " قامت تحرض الإمام المهدي على قلب نظام الحكم ، وهو آنذاك يستجمع حوله الأتباع ليخلص البلاد من الحكم التركي، يقول المؤرخ والناقد محمد عبد الرحيم في كتابه (نفثات اليراع في الأدب والتاريخ والاجتماع ):" بعد أن وصل ضغط الأتراك إلى حد الانفجار وأصبح فوق طاقة أشد الناس استسلاما ورضا واستنامة له ولم يبق إلا أن ينفجر ذلك البركان المكبوت الذي شقي الأتراك بحممه بعدئذ قالت امرأة تدعى "بنت مكاوي " تحرض المهدي على قلب نظام الحكم وهو آنذاك يستجمع حوله من الشيعة والأتباع ما مهد لحركة المهدية الثائرة وما مكن له من الجهر بدعوته الجريئة ليخلص البلاد من النير التركي الفادح ولقد كان هذا على توفر الدواعي الأخرى سبباً قوياً في بعث المهدية وهو أحق الأسباب هنا بالذكر لأنه الحقيقة التاريخية والعامل الأولي المؤثر في خلق تلك الدعوة برغم ما تأول لها البعض من وجوه. وأود أن يتنبه القارئ إلى خطر هذين البيتين فإنهما قررا مصير أمة يوماً من الأيام وابتعثا دعوة جريئة حازمة لم يشهد مثلها التاريخ في سرعتها وقوة أثرها في حياة هذه البلاد": 
طبل العز ضرب هوينه في البرزه  
    غير طبل "أمكبان" أنا ما بشوف عزه


إن طال الوبر واسيه بالجـــزه  
    وإمَا عــم نيل ما فــرخت وزه


     يقول محمد عبد الرحيم "ولا أجمل وقعاً من هذين البيتين في التحريض، ولا أشد أثراً منهما في العبث بدم شعب يوشك أن يثور يومئذ لما يغالب في نفسه من عواطفه المكبوتة الحانقة من تصرفات الأتراك المجحفة، وتعسفهم البغيض، ولكن هذه الثورة التي كان يغالبها ويشقى بها في أعماقه الغائرة لم تكن لتجد المنفذ الرحب الذي يدفع بها شعلة واقدة إلى الآفاق فيما يرجو لها القوم من قساوة وعنف إلا عند هذين البيتين الجريئين ومن عجب أن يكونا من وحي امرأة لا أكثر ولا أقل "
    ويستمر في تحليله لهذين البيتين شارحاً وموضحاً مدلولهما وأثرهما في نفس قائد الثورة وأنصاره  " تقول شاعرتنا الحكيمة : الآن يا قوم لقد دق طبل العز مجلجلاً داوياً في العراء مؤذناً بيقظة لامثيل لها إن أجبتم داعيه ، ولست أرى في الحق أمجد نغماً، ولا أعذب رجعاً، ولا أجلب للعز والحرية المسلوبة من طبل " أمكبان" أي الثورة الدامية والحرب السحوق، ثم تلتفت في قوة امرأة وسلطان امرأة إلى المهدي، موجهة إليه الحديث، وكأنها تضع على عاتقه وحده الاضطلاع بعبء هذا الأمر الفادح الشاق، وتطلب إليه في أسلوب حكيم هو خير ما عرف حتى الآن من أساليب الأمثال ذات الأثر الدائم بقولها":
إن طــال الوبر واسيه بالجزه     
    وإمّا عـم نيل ما فرخت وزه

    أي إن فات الأمر حده فضع له حداً. تشير إلى أن الأتراك تجاوزوا كل حدود المعقول فيما خولوا من سلطة وما سوغوا من  نهي وأمر ولهذا يجدر أن يأخذوا درساً قاسياً لقاء ما قدموا للبلد من هون وتحقير وكأنها لم يقنعها أن تأتي بمثل واحد للاستدلال المنطقي على أن لابد من ثورة عاجلة إذ تردف ذلك بقولها " وإمّا عم نيل ما فرخت وزه " أي أن الثورة أمر لا محيد عنه فالنيل إن لم يطغ ويغمر ما عري من شاطئيه وإن لم يفض هادراً فواراً يزحم المسالك ويأخذ بالسبل فلن يفرخ الأوز . وكذلك نحن وكذلك أمر هذه البلاد فإن لم تنشب بها تلك الثورة المرتجاة فمحال أن يراش من الأمة ما انثال من جناحها المهيض . ومحال أيضا أن نظفر بما نطمح إليه من حياة " وهكذا في أسلوب رشيق جزل متين أخاذ يحلق بنا المؤرخ والناقد محمد عبد الرحيم في تحليل البيتين السابقين من الشعر الدارج للشاعرة بنت مكاوي .
نواصل

 

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية