للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  دعوة للمشاركة والحضور           المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

اللحن في العصر الجاهلي وصدر الإسلام

د. مي صالح نصر

تحدثت في المقال السابق عن معاني اللحن في اللغة وبيّنت أنّ من معانيه : الخطأ والتخطئة وذكرت أني سأعرض نماذج من اللحن ـ بمعنى الخطأ ـ  في مختلف العصور ابتداءً من العصر الجاهلي وصدر الإسلام وانتهاءً بالعصر الحديث فإليكم جزء مما وعدتكم به وهو :
اللحن في العصر الجاهلي وصدر الإسلام :
إنّ اللغة العربية في العصر الجاهلي كان لها مستويات متعددة تختلف فيما بينها باختلاف القبائل ، وعُرف كل قبيلة في لهجتها إلا أنها اتفقت فيما بينها على الفصاحة والبلاغة ، يدّل على ذلك وَعيهم بصحة استخدام الصيغ المفردة والصيغ المركبة ، من حيث وضعها وملاءمتها للغرض الذي بُنيَ عليه الكلام لذلك نجد أن اللحن لم يُوجد بصورة واضحة ونجده متفرقاً وكان حكمهم مُنصباً على الأشعار ، كيف لا ، وقد كان الشعر ديوانهم .
قال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه : ( كان الشعر في الجاهلية عند العرب ديوان علمهم ومنتهى حكمهم به يأخذون وإليه يصيرون ) . ومن نماذج اللحن فيه ما وجهه ( طرفة بن العبد) وهو بعد صبي ـ إلى  ( المسيب بن علس الضبعي ) ؛ فقد مرّ المسيب بمجلس بني قيس بن ثعلبة ، فاستنشدوه ، فأنشدهم :  
       ألا عِم صباحا أيُّها الربعُ واسلم              نحُييك عن شحط وإن لم تتكلم
فلما بلغ قوله :    
        وقد أتناسى الهمّ عند ادّكاره                 بناجٍ عليه الصيعرية مُكدِم
        كُميتٍ كنازٍ لحمُها حِميريةٍ                   مواشكةٍ ترمي الحصا بمُثلم
قال طرفة ـ وهو صبي يلعب مع الصبيان ــ (  استنوق الجمل ) وذلك لأنّ ( الصيعرية ) علامة تكون في عنق الناقة لا الجمل ، وبعبارة أخرى أنّ الشاعر قد وّظف صيغة في غير موضعها ، فيكون بذلك قد ابتعد بها عن أصل وضعها في عُرف اللغة وهذا ما يعرف باللحن . ومن ذلك أن الأعشى عندما مدح ( قيس بن معد يكرب ) ـ أحد أشراف اليمن وسادتها بقوله :
             ونبئتُ قيسا ولم آته                       وقد زعموا ساد أهل اليمن
عاب هذا القول أحد المستمعين له وقيل  عابه ( قيس ) نفسه مُعترضا على صيغة ( زعموا ) التي شككت في سيادة ( قيس ) وشرفه وارتفاع مكانته .
ولم تتوقف أحكام القدماء على الشعر عند لفظه ومعناه وأسلوبه وصوره ، بل امتدّت لتشمل أوزان الشعر وقوافيه ـ باعتبارها ظاهرة موسيقية من ألزم العناصر للغة الشعر وأسلوبه ، ومن أدقّ مقاييسه النقدية . ومن تلك الأحكام ، الأحكام التي تناولت عيوب القوافي في أشعار الشعراء ، ومن ذلك ما قاله ابن سلام الجمحي أثناء حديثه عن شعراء الطبقة الأولى من شعراء الجاهلية حيث قال : ( لم يقو أحد من هذه الطبقة ولا من أشباههم إلا النابغة في بيتين قوله :
        أ مِن آلِ مَيةَ رائحٌ أو مغتدي                عَجْلان ذا زادٍ وغير مزودِ
        زعم البوارح أن رحلتنا غداً                وبذاك خبرنا الغراب الأسودُ
حيث جاءت القصيدة بانخفاض ثم جاءت كلمة ( الأسود ) بالرفع ، وقوله :
                سقطَ النصيفُ ولم تُرِدْ                   إسقاطه فتناولته واتقتنا باليدِ
               بمُخَضَّبٍ رخصٍ كأنّ بنانه               عَنمٌ يُكاد من اللطافة يُعقدُ
فجاءت القصيدة كلها بالخفض إلا في موضعين وهما : ( الأسود ـ يعقد )
وقد أقوى من فحول شعراء الجاهلية أيضا : ( بشر بن أبي خازم الأسدي ) ، فقد قيل لأبي عمرو بن العلاء : هل أقوى أحد من فحول شعراء الجاهلية كما أقوى النابغة ؟ قال : نعم بشر بن أبي خازم في قوله :
              ألم تر أن طول الدهر يُسلي                  و يُنسي مثل ما نُسيت جُزامُ
               وكانوا قومنا فبغوا علينا                     فسُقناهم إلى البلد الشآمي
وزاد أبو عبيدة هذا الخبر ، فقال : ( فقال له أخوه سمير أو سوادة : أكفأت وأسأت . قال : وما ذاك ! قال : قلتَ : كما نسيت جزام ثم قلتَ : إلى البلد الشامي . قال : قد بيّنت ولست بعائد . ) .
يتبيّن من هذه الروايات أنها تختص بالخطأ الإيقاعي أو العَروضي الذي لحق بعض شعر النابغة ، وبشر بن أبي خازم ، وهو ( الإقواء ) وهو عيبٌ لاحظه القدماء المتلقون للشعر بذوقهم الفطري ، وفصّل القول فيه العلماء بالشعر على نحو ما رأينا من تعليقاتهم ، فهذه المُخالفة أو التغير في حركة القافية يمكن أن يعتبر ضرباً من اللحن ؛ إذ لم يتقبله المتلقي العادي ذي الذوق الفطري والبصير بالشعر ذي الذوق المثقّف .  
هذا بالنسبة للحن في العصر الجاهلي ، أما بالنسبة لصدر الإسلام فإن كلمة ( اللحن ) قد ترددت بين العرب منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن نفسه : ( أنا أعرب العرب ولدتني قريش ونشأت في سعد بن بكر ، فأنى يأتيني اللحن ) . وقد لحن إعرابي في حضرته صلى الله عليه وسلم فقال الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام لأصحابه : ( ارشدوا أخاكم ؛ فإنه قد ضلَّ ) ، ولقد روي عن أبي بكر الصديق أنه قال : ( لأن أقرأ وأسقط أحبّ إلي من أن أقرأ وألحن ) . وروا أن أحد ولاة عمر بن الخطاب كتب إليه كتابا جاء فيه : ( من أبو موسى الأشعري ) فكتب إليه عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه : ( أن قنّع كاتبك سوطا ) وفي رواية أخرى ( اضرب كاتبك سوطا واحدا وأجز عطاءه سنة ) . كما يروى عنه أنه مرّ برجلين يرميان فقال أحدهما للآخر : ( أسبت ) يعني ( أصبت ) فقال عمر رضي الله عنه : ( سوء اللحن أشدّ من سوء الرمي ) . فهذه الروايات تدّل على معرفة اللحن في ذلك العصر وفيما قبل ذلك العصر الإسلامي ، إذ أن استخدام اللفظة في ذلك الوقت وفهم المقصود منها حينذاك قد سبقه ما يسوغ هذا الاستخدام وذلك الفهم ، وفي هذا أيضا دلالة مباشرة على حدوث ذلك في الجاهلية وإن لم يظهر لنا إلا فيما رُوي عنهم في الشعر .


التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية